تخريب البقيع في الوثائق و المستندات

اشارة

شابك : 978-964-540-447-3

شماره كتابشناسي ملي : 3159539

عنوان و نام پديدآور : تخريب البقيع في الوثايق و المستندات/ سيدعلي قاضي عسكر؛ تعريب قسم الترجمه [نشر مشعر].

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر، 1392.

مشخصات ظاهري : 135 ص.: مصور (رنگي).

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

عنوان قراردادي : تخريب و بازسازي بقيع به روايت اسناد .عربي

موضوع : بقيع -- تاريخ -- اسناد و مدارك

موضوع : زيارتگاه هاي اسلامي -- عربستان سعودي -- مدينه

رده بندي ديويي : 297/7635

رده بندي كنگره : BP262/ق2ت3043 1392

سرشناسه : قاضي عسكر، سيدعلي، 1325 -

شناسه افزوده : نشر مشعر

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

ص:1

اشاره

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

كلمة المعهد

يعلم كلُّ قوم وشعب أنّ الآثار القديمة جزء من ثقافته وميراثه القيّم المتبقي من الأقوام الماضية، وأنّها تمثّل هويته الوطنية، فيحرص علي المحافظة عليها؛ ولهذا تجدهم في كل يوم ينقّبون من جديد للعثور علي هذه الآثار القديمة المتعلّقة بتلك الأقوام الماضية، والمدفونة في أعماق الأرض وبطونها.

ولا شك أنّ هذه الآثار القديمة المتبقّية من تلك الأقوام، تعتبر من المستندات والوثائق التاريخية المهمّة والقيّمة؛ لأنّها قادرة بنفسها علي إظهار الزوايا والخفايا لكلّ ثقافة، وقد كان من بين تلك الآثار القديمة آثار الأنبياء والأولياء: التي تتمتّع بمكانة خاصّة، وتأثير كبير علي الثقافة المعاصرة، لا سيّما علي ثقافة المؤمنين.

إنّ من بين تلك الآثار المتبقّية من عص_ر رسالة خاتم الأنبياء9، بقيع الغرقد الذي هو كنز ثمين يضمّ رفات العديد من أصحاب النبي9 وأزواجه وبناته، والأهمّ من ذلك ضمّه لبعض أكباد النبي9 وأهل بيته الكرام:، وقد حظيت هذه البقعة من الأرض بمزيد من الاحترام الخاصّ من قبل النبي9 وأصحابه في السنوات الأولي، ثمّ من بعدهم المسلمين علي مرّ التاريخ الإسلامي، وذلك اهتماماً منهم لإحياء هذه السيرة، وتكريماً

ص:6

لصحابة النبي9 وأهل بيته الكرام:، المدفونين في هذه البقعة المباركة، حتّي أنّهم بنوا علي قبورهم المراقد المشرَّفة.

ولكن مع الأسف الشديد قام بعض بتخريب وهدم هذه البقاع المباركة والمراقد المشرفة بتعصّب خاطئ، فأضحي البقيع منذ تلك الحادثة مكاناً مهجوراً.

والكتاب الذي بين يديك دُوّنت فيه صور رائعة من ذلك الميراث القيّم وتلك الآثار الثمينة، التي طالتها يد التدمير والتخريب الآثمة في هذه البقعة والتي أثارت غضب علماء الإسلام والمسلمين آنذاك، وقد حرره محقق نحرير، وكلّنا أمل ورجاء أن يكون هذا الأثر القيّم قادراً علي التعريف بهذه الآثار المتبقّية من عص_ر الرسالة، ومفيداً في ترويج ونش_ر القيّم الإلهيّة والإنسانيّة، وأن يكون هادياً وباعثاً مناسباً علي وعي الحجاج والمعتمرين لبيت الله الحرام وكلّ المحبّين للإسلام العظيم.

ولا يسعنا في الختام إلا أن نتقدّم بالشكر الجزيل للمؤلّف المحترم؛ لما بذله من جهود مُضنية في تأليفه وإكماله لهذا الأثر القيّم، ولجميع الذين شاركوا في إنجازه.

ومن الله التوفيق

ص:7

المقدمة

أراد الله سبحانه وتعالي من جميع العباد أن يسيروا في الأرض، ويتأمّلوا ويتدبّروا في تاريخ وآثار السلف، ويعتبروا بما جري علي الاُمم السابقة.

قال تعالي: {قُلْ سيرُوا في الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أكْثَرُهُمْ مُشْرِكينَ} (الروم: 42)

و قد حاولت اُمم العالم _ ولا سيما الاُمم ذات الحضارات العريقة _ أن تبذل غاية جهدها وسعيها للحفاظ علي تاريخها وميراثها، وكلّ ما له صلة بماضيها وآثارها علي أرض الواقع.

و تكمن فائدة الحفاظ على التراث في أمرين

أوّلاً: الاستفادة من المعلومات والتجارب والنماذج الإيجابية، والانتفاع منها والاستلهام منها لتحقيق المزيد من التقدّم في المستقبل.

ثانياً: التعرّف علي التجارب المرّة وموارد الفشل والهزائم التي واجهتها الأجيال الماضية علي مرّ العصور؛ لاجتناب تكرار هذه الحوادث.

وقد اهتم القرآن الكريم بهذين الأمرين، ودعا الناس _ من جهة _ إلي تلقي الدروس والعبر من تاريخ أسلافهم، ودعاهم _ من جهة اُخري _ إلي الحفاظ علي تراثهم، وبيّن الباري عزّ وجلّ عند ذكره لقصّة أصحاب

ص:8

الكهف بأنّ الفئة المؤمنة صمّمت على بناء مسجد علي قبور أصحاب الكهف من أجل تخليد ذكري هؤلاء الفتية.

{قالَ الَّذينَ غَلَبُوا عَلى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (الكهف: 21)

وفي قضيّة اُخري نجد أنّ النبيّ إبراهيم7 يبني في جوار الكعبة سكناً لزوجته هاجر وابنه إسماعيل، ثمّ يصبح هذا المكان محلاًّ لدفن هاجر وإسماعيل بعد وفاتهما، وبعد ذلك عدَّ اللهُ هذا المكان مقدّساً، ويطوف الحجّاج حول هذا المكان في كلّ عام، ويخلّدون هذا المقام باسم حجر إسماعيل؛ من أجل إحياء موقف هاجر وولدها وغيرهم من المدفونين في تلك البقعة المقدّسة.

وفي حادثة اُخري يقف النبي إبراهيم7 علي صخرة عند بنائه للكعبة، فيبقي أثر قدمه بقدرة الله علي تلك الصخرة، ثمّ يدعو الله إلي حفظ هذا الأثر القيّم من خلال الأمر بالصلاة عند هذا المقام، حيث قال تعالي: {وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إبْراهيمَ مُصَلًّي}. (البقره: 125)

وفي موقف آخر كان إسماعيل يجود بنفسه من العطش، فرفس برجله الأرض، فبعث الله إليه جبرئيل، وتفجّرت من تحت رجل إسماعيل عين زمزم؛ تكريماً لموقف هاجر، وقد حفظ لنا التاريخ هذا المكان لتبقي هذه الواقعة خالدة على مرّ الأجيال.

و قد أشار القرآن الكريم إلي البيوت التي عاش فيها الأنبياء والأولياء؛ لأنّها بيوت تذكّرنا بإخلاص وعظمة أهلها، فقال تعالي: {في بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيها اسْمُهُ...} (النور: 36)

و قد سئل رسول الله9 هل بيت عليّ وفاطمة8 من هذه البيوت؟ فأشار النبيّ9 إلي بيت عليّ وفاطمة وقال: «نعم من أفاضلها».

ص:9

ولكن مع الأسف الشديد عندما يسافر المسلمون في يومنا هذا إلي الحجاز، ويقصدون زيارة هذه الأماكن المقدّسة، يجدون أنّ السلطة الحاكمة قامت بتخريبها وإزالة أثرها، وهذا ما يدعوهم إلي الحزن والأسى، ويتأسّفون كيف أدّت فكرة خاطئة إلي زوال هذه الآثار العظيمة التي بإمكان الجميع أن يستلهم منها العديد من الدروس والعبر؟!

ما هو سبب هدم القباب التي كانت مبنيّة علي قبور أهل البيت: في البقيع، وعلي قبور الشهداء في منطقة ا ُحد، وعلي قبور الصلحاء في مقبرة المعلّي؟

لماذا اُزيلت آثار بيت الإمام الصادق وبيت الإمام السجاد8 والبيوت الاُخري المرتبطة بالصحابة الأخيار في المدينة؟

ولماذا لا نجد لبيت خديجة الكبرى3 ومكان ولادة سيّدة نساء العالمين3 أيّ أثر علي أرض الواقع؟

لماذا مُحيت آثار حروب وغزوات المسلمين في صدر الاسلام؟

ولا يجد الإنسان أيّة إجابة إزاء هذه الأسئلة؛ لأنّ الّذين أزالوا هذه الآثار يعتقدون بأنّ مظاهر التوحيد هي مظاهر للشرك، وهم يتّهمون جميع المسلمين بالشرك! ولكنّهم في الواقع يجسّدون _ في يومنا هذا أمام جميع المسلمين _ الخوارج الذين يحملون الأفكار الهدامة والعقول المتحجّرة، والتي دأبها النظر إلي التعاليم الدينية من الزوايا الضيّقة والمظلمة.

وقد اهتمّ هذا الكتاب بتسليط الأضواء علي جزء يسير جدّاً من آثار هذا التفكير الرجعي والمتحجّر. ونأمل أن نجد فرصة اُخري للبحث بصورة مفصّلة في هذا الموضوع.

المؤلّف

ص:10

ص:11

خزانة التأريخ الإسلامي

البقيع ليس مجرّد مقبرة فحسب، بل هو مقرّ تراث الإسلام وخزانة تأريخه، وتحوي هذه البقعة قبور أربعة من أئمّة أهل البيت:، وقبور زوجات النبيّ9 وبناته وبعض أبنائه، وبعض الصحابة والتابعين، وعمّات النبيّ9، وهي تضمّ رفات زهاء عش_رة آلاف شخص من أبرز شخصيّات التاريخ الإسلامي.

والبقيع _ علي الرغم من عظمته ومكانة لدى المسلمين _ يعيش الغربة والمظلومية، وكلّ زائر يقصد المدينة المنورة ويقع بص_ره علي هذه المقبرة، يعتصر قلبه حزناً و أسيً عند مشاهدته لمظلوميّة أهل البيت:، وتسيل دموعه علي خدّيه من دون اختيار، ولو كان بوسع الحُجّاج أن يعبّروا عن مشاعرهم لص_رخوا بأعلي صوتهم: لماذا تظلمون الإسلام وتظلمون أهل بيت رسول الله9 عن طريق محاربتكم لآثارهم؟

أن جميع اُمم العالم تمجّد تراثها الوطني وتحترمه، وتشيّد رمزاً لجنودها المجهولين، ولكن هؤلاء يمنعون حتى عن وضع حجر عادي علي قبور من قام الإسلام علي أيديهم.

وكلّ حاجّ يغادر المدينة المنورة فإنّه يغادرها بقلب يعص_ره الألم، ويعود

ص:12

إلي وطنه وهو حزين لما رآه من مظلوميّة أهل البيت:، وتتوارث الأجيال هذا الأسي، وهي تنتظر اليوم الذي يتحوّل فيه البقيع إلي مقرّ لنش_ر علوم ومعارف أهل البيت:، وتكريم أصحاب الرسول المنتجبين.

يعود تاريخ مقبرة البقيع إلي العص_ر الجاهلي قبل الإسلام، ولكن الوثائق والمستندات لا تكشف بوضوح عُمر هذه المقبرة، ومتي بدأ الناس يدفنون موتاهم فيها؟

و تكشف المصادر التأريخيّة عن أنّ أهل المدينة كان يدفنون موتاهم قبل الهجرة في مقبرتي «بني حرام» و«بني سالم»، وكان البعض يدفن موتاه في منزله.(1)

و تكشف المصادر التأريخيّة أيضاً عن أنّ مقبرة البقيع كانت مقبرة المسلمين فقط، وقد بدأ المسلمون يدفنون موتاهم فيها بعد هجرة المسلمين إلي المدينة، ثمّ دفن في هذه المقبرة بمرور الزمان العديد من الصحابة والتابعين، وأيضاً زوجات النبيّ وبناته وأبنائه وأهل بيته، فأصبحت للبقيع بعد ذلك أهمّيّة خاصة.(2)

و بصورة تدريجيّة اُهملت المقابر السابقة وتحوّلت إلي خرابات، ثمّ زال أثرها.(3)

وجاء في الروايات الش_ريفة: أنّ النبيّ9 قصد هذه المقبرة بأمر الله عزّ وجلّ وسلّم علي المدفونين فيها، وطلب من الله لهم الغفران.(4)


1- تاريخ حرم أئمّة البقيع، 61.
2- مدينه شناسي، ج 1، ص 321.
3- وفاء الوفا، ج 3، ص 888.
4- صحيح مسلم، ج 4، ص 40؛ سنن النسائي، ج 4، ص 91؛ الكافي، ج 4، ص 559.

ص:13

وسمّي البقيع باسم «بقيع الغرقد» لنموّ نوع من الأشجار ذات الأشواك فيه، وتسمّى هذه الأشجار باسم «الغرقد» ثمّ انعدمت تلك الأشجار وبقي اسمها.(1)

وقيل: بقيع الغرقد: اسم أرض قد غطّاها نوع من الأشجار الطويلة تعرف بالتوت.(2)

ولم يكن للبقيع قبل مائة عام جدار أو سياج، ولكنّها حالياً محصورة بجدار مرتفع.

كان المسلمون _ من كل الطوائف _ فيما سبق وإلي يومنا هذا يقصدون البقيع بعد زيارتهم لقبر النبيّ وقبور أهل بيته، ويزورون هذه القبور.

وكان لقبور أئمّة أهل البيت: وبعض القبور الاُخري قباب ومزارات، ولكن قام الوهّابيّون بهدم هذه القباب والمزارات، ولا يوجد حالياً لقبور البقيع أيّ سقف أو مظلّات، وإنّما نجد فقط بعض القبور مميّزة عن الاُخري بتحديدها بالأحجار.


1- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة بقع.
2- المصدر نفسه.

ص:14

ص:15

المدفونون في البقيع

أئمة البقيع

اشاره

تقع قبور أربعة أئمّة معصومين: أمام باب البقيع حاليّاً، وعندما يجتاز الزائر هذه الباب يجد قبور هؤلاء العترة أمامه باتّجاه اليمين، وهم:

1. الإمام الحسن بن عليّ7

ولد الإمام الحسن7 في منتصف شهر رمضان من العام الثالث للهجرة في المدينة المنوّرة، وقد أحبّه الرسول9 حبّاً شديداً، وكان يعتني به ويرعاه برعايته الخاصّة، وبعد رحيل الرسول9 لازم الإمام الحسن7 أباه الإمام أميرالمؤمنين7 في جميع الاُمور، وكان الشخصيّة الاجتماعيّة الثانية بعد أبيه، وقد دافع الإمام الحسن7 عن الإسلام المحمّدي الأصيل، ولا سيما عن مسألة إمامة أهل البيت خلال مشاركته في حروب الجمل وصفّين والنهروان.

وتصدّي7 لمهمّة الإمامة بعد أبيه لمدّة ستّة أشهر، ثمّ شنّ معاوية عليه هجوماً لم يتمكّن الإمام الحسن7 من الوقوف بوجه هذا الهجوم؛ لقلّة أنصاره، وقلّة المدافعين عن حقّه، ومن هذا المنطلق قَبِلَ الصلح الذي اقترحه

ص:16

معاوية، واستشهد7 عام 50 علي أثر السمّ الذي دسّه معاوية بن أبي سفيان إلي الإمام7 عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، ودفن7 في البقيع. أحبّه الناس ولقّبوه بكريم أهل البيت:؛ لكرمه وحسن أخلاقه وتحلّيه بجميع مكارم الأخلاق.

2. الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين7

ولد الإمام زين العابدين عام 38ه في المدينة المنوّرة، وترعرع في فترة إمامة الإمام الحسن7 والإمام الحسين7، وكان مع أبيه في كربلاء، ولكن شاء الله أن يكون7 عليلاً في واقعة كربلاء، وأن يكون عاجزاً عن حمل السلاح ليبقي حيّاً، وتستمرّ الإمامة الإلهيّة فيه، وكان7 بعد واقعة عاشوراء مع ركب السبايا عندما اُخذوا إلي الكوفة والشام.

وابتدأت إمامته7 بعد واقعة عاشوراء، واستمرّت 34 سنة، ثمّ استشهد في عام 94ه مسموماً بأمر الوليد بن عبدالملك، ودفن7 في البقيع جوار قبر عمّه الإمام الحسن7.

وكان7 معروفاً عند الخواصّ والعوامّ وعند الصديق والعدوّ بالزهد، وكثرة العبادة، والكرم، وعلوّ الشأن.

3. الإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر7

ولد الإمام الباقر7 عام 57ه ، وعاش مع أبيه في المدينة المنورة، وبعد استشهاد أبيه اهتمّ بشؤون الإمامة الإلهيّة التي اختاره الله لها، وقام بتربية الكثير من الطلبة، وأُتيحت له فرصة تمكّن من خلالها أن ينش_ر معارف الإسلام الأصيل وينشر العلوم التي ورثها أهل البيت: من رسول الله9.

ص:17

ولهذا لُقّب7 ب_ «باقر العلوم»، واستشهد7 عام 114ه أو 117ه بأمر هشام بن عبدالملك، ودُفن في البقيع بجوار قبر أبيه7.

4. الإمام جعفر بن محمّد الصادق7

ولد الإمام الصادق7 عام 80ه أو 83ه ، وكان ممّن اختاره الله للإمامة بعد أبيه، وتمكّن7 بعد استشهاد أبيه أن يربّي الآلاف من طلبة العلوم في مختلف المجالات العلميّة، ولكن ضيّق الخليفة العبّاسي الثاني المنصور علي الإمام7، ثمّ دسّ إليه السمّ، فاستشهد7 في 25 شوال عام 148ه ، ودفن في البقيع جوار قبر أبيه وجدّه:.

العبّاس بن عبدالمطّلب

يوجد قبران جوار قبور أئمّة أهل البيت: الأربعة، أحدهما قبر العبّاس بن عبدالمطّلب عمّ النبي9، والآخر قبر فاطمة بنت أسد3 اُمّ أميرالمؤمنين عليّ7.

قبور أئمّة البقيع:

(1. الإمام الحسن المجتبي7، 2. الإمام زين العابدين7، 3. الإمام محمّد الباقر7، 4. الإمام جعفر الصادق7 وأيضاً قبر العبّاس بن عبدالمطّلب)

ص:18

ويعتبر العبّاس بن عبدالمطّلب من كبار شخصيّات قريش، وكان أكبر سنّاً من الرسول9 حيث كان يكبره بسنتين أو ثلاث سنوات، وامتنع العبّاس من إظهار إيمانه في مكّة، وأجبرته قريش في السنة الثانية للهجرة على المشاركة معهم في حرب بدر ضدّ رسول الله9، ووقع أسيراً بأيدي المسلمين، وفكّ أسره بفدية، ثمّ أصبح من أفضل أصحاب الرسول9.

وبعد رحيل النبيّ9 بقي العبّاس علي العهد مع أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب7، وتوفّي في المدينة عام 33 للهجرة زمن خلافة عثمان، ودفن في البقيع.

فاطمة بنت أسد3

وهي زوجة أبي طالب، واُمّ الإمام عليّ7، وكانت من الأوائل الذين بايعوا رسول الله9، وعندما تولّي أبوطالب7 كفالة الرسول9 كان لفاطمة الدور الكبير في اعتنائها بالرسول9، وبلغت من الكمال والقدسيّة بحيث ألجأها الباري عزّ وجلّ إلي بيته الحرام، فدخلت فيه، وأنجبت ولدها عليّ بن أبي طالب في داخل الكعبة.

وعندما فارقت روحها الحياة حزن الرسول9 عليها حزناً شديداً، وشارك في تشييع جنازتها، وصلّي عليها، ووضعها في قبرها ودموعه تجري علي خدّيه.

ص:19

قبور أولاد رسول الله9

اشاره

دفن في مقبرة البقيع أيضاً ثلاث بنات لرسول الله9، وهنّ: زينب وأمّ كلثوم ورقيّة، كما أنّ إبراهيم ابن رسول الله9 أيضاً مدفون في هذه المقبرة:

زينب

وهي أكبر بنت لرسول الله9، اُمّها خديجة، وقد تزّوجت بأبي العاص بن ربيع، وتوفّيت في السنة الثامنة للهجرة.

اُمّ كلثوم

كانت زوجة عتيبة بن أبي لهب، ثمّ تزوجها عثمان في السنة الثالثة للهجرة، وتوفّيت في السنة التاسعة للهجرة، وبكي الرسول9 عليها عندما دفنت في البقيع.

رقية

كانت زوجة عتبة بن أبي لهب، ثمّ تزوجها عثمان، وكانت ممّن هاجر إلي الحبشة، ثمّ عادت إلي المدينة المنوّرة، وتوفّيت في السنة الثانية للهجرة علي أثر مرض، وقد ذكر البعض بأنّها توفيت في السنة الرابعة للهجرة، وأمر الرسول9 أن تدفن في البقيع.

قبور بنات رسول الله9

ص:20

إبراهيم

ولد إبراهيم ابن رسول الله9 في المدينة في ذي الحجّة عام 8 للهجرة، واُمّه مارية القبطيّة، وكان لإبراهيم مكانة خاصّة في قلب رسول الله9، وكان الرسول9 يبدي مشاعره إزاء ولده هذا أمام الآخرين، وتوفّي إبراهيم بعد عام وعشرة أشهر من ولادته، وأمر الرسول9 أن يدفن إبراهيم في البقيع بجوار قبر عثمان بن مظعون، ويطلق علي مكان ولادة ابراهيم «مش_ربة اُمّ ابراهيم»، ويعدّ هذا المكان حاليّاً من الآثار الإسلاميّة في المدينة المنوّرة.

قبر إبراهيم ابن رسول الله9

زوجات النبيّ المدفونات في البقيع

1. اُمّ سلمة

كانت من الأوائل الذين اعتنقوا الإسلام، توفّيت عام 61ه ، ودفنت في البقيع.

2. زينب بنت جحش (ابنة عمّة النبي9)

تزوّجت في البداية بزيد بن حارثة، ثمّ طلّقها زيد في السنة الخامسة للهجرة، وتزوّجها الرسول9 وقصّة زواجه منها معروفة، وقد ذُكرت في القرآن الكريم، وتوفّيت عام 20ه ، ولها من العمر 50 عاماً، ودُفنت في البقيع.

ص:21

3. مارية القبطيّة

هي اُمّ إبراهيم ابن رسول الله9، توفّيت عام 16ه في المدينة المنوّرة، ودفنت في البقيع.

4. زينب بنت خزيمة

كانت زوجة أحد الصحابة (عبدالله بن جحش)، وعندما استشهد تزوّجها النبيّ9، وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر من زواجها توفّيت في عمر لم يتجاوز الثلاثين عاماً، وكان ذلك في السنة الرابعة للهجرة، ودفنت في البقيع.

5. عائشة بنت أبي بكر

ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة، وتزوّجها الرسول9 بعد ثلاث سنوات من وفاة خديجة، وتوفّيت عام 57 أو 58ه ، ودفنت في البقيع.

6. حفصة بنت عمر بن الخطّاب

ولدت في السنة الخامسة قبل البعثة، وتزوّجها في البداية خنيس بن حُذافة، وبعد وفاته تزوّجها النبيّ9 وتوفّيت _ حسب قول الواقدي _ عام 45ه ، ودفنت في البقيع.

7. اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان

كان قد تزوّجها عبيد الله بن جحش، وهو الذي صار نص_رانيّاً في الحبشة، فلمّا توفّي تزوّجها الرسول، وتوفّيت في المدينة المنورة عام 42 أو 44 للهجرة، ودفنت في البقيع.

ص:22

8. جويرية بنت الحارث

تزوّجها النبيّ في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة بعد غزوة بني المصطلق، وتوفّيت في المدينة المنورة عام 50 او 56ه ، ودفنت في البقيع.

9. صفيّة

كانت في البداية زوجة «سَلّام بن مِشْكم»، وبعد وفاته تزوّجها «كنانة بن أبي الحُقيق»، وقُتل كنانة في حرب خيبر، ووقعت «صفية» في الأسر، فأعتقها النبيّ9 ثمّ تزوّجها، وتوفّيت _ حسب قول الواقدي _ في المدينة المنوّرة عام 50 للهجرة، ودفنت في البقيع.

قبور زوجات النبي9

10. سودة بنت زمعة بن قيس

كانت زوجة لابن عمّها «سكران بن عمرو»، وبعد وفاته، تزوّجها النبيّ9، وقد توفّيت في المدينة عام 50 أو 54ه ، ودفنت في البقيع.

11. ريحانة بنت زيد

تزوّجها النبيّ في السنة السادسة للهجرة، وقد توفّيت بعد حجّة الوداع، ودفنت في البقيع.

ص:23

قبر عمّات النبيّ9

1. صفية بنت عبدالمطلب

هي زوجة العوّام بن خويلد، واُمّ الزبير، وكانت ممّن حض_رت أرض اُحد بعد المعركة، وَرَثت استشهاد حمزة، وفي حرب الخندق قتلت يهوديّاً، وكانت وفاتها عام 20ه ، ولها من العمر 75 سنة، ودفنت في البقيع.

2. عاتكة بنت عبدالمطّلب

ورد بأنّ عاتكة توفّيت بعد مجيئها إلي المدينة، ودفنت في البقيع، وقال البعض بأنّها توفّيت في مكّة ولم تأتِ المدينة أبداً.

قبر اُمّ البنين وعمّات النبيّ9

قبور سائر النسوة الفاضلات

1. اُمّ البنين3

و هي فاطمة بنت حزام بن خالد، تزوّجها الإمام عليّ بن أبي طالب7، فأنحبت له أربعة أولاد، وهم: العباس، جعفر، عثمان وعبدالله، وكلّهم استشهدوا مع الإمام الحسين7 في كربلاء، وتوفّيت اُمّ البنين في المدينة، ودفنت في البقيع.

ص:24

2. حليمة السعديّة

وهي مرضعة النبيّ9، وتوفّيت في المدينة، ودفنت في البقيع.

مزار حليمة السعديّة

بقيّة من دفن في البقيع

1. عقيل بن أبي طالب

هو أخو أميرالمؤمنين عليّ7 واُمّه فاطمة بنت أسد، وهو من ناحية العمر أكبر من الإمام عليّ7 بعشرين سنة، وكانت له تضحيات كثيرة في سبيل نشر الإسلام، وفقَد بصره عند الكبر، وتوفّي قبل واقعة الحرّة في أواخر حكومة معاوية، أو بداية حكومة يزيد، ودفن في البقيع.

قبر عقيل بن أبي طالب

ص:25

2. عبدالله بن جعفر

اُمّه أسماء بنت عُميس، ووُلِد عبدالله وأخواه محمّد وعون في الحبشة، وذلك بعد هجرة أسماء مع زوجها جعفر إلي تلك المنطقة، وفقد عبدالله أباه في واقعة موتة، وكان من أصحاب الرسول9 ثمّ كان مع الإمام عليّ7، حيث ضحّي كثيراً في سبيل نش_ر الإسلام، وقد زوّجه الإمام عليّ7 بابنته زينب الكبري3، واستشهد ابنه عون في واقعة كربلاء، كما استشهد ولدان له أيضاً علي أيدي الاُمويّين في واقعة الحرّة بالمدينة المنوّرة، وتوفّي عبدالله عام 80 للهجرة في المدينة المنوّرة وله من العمر 90 عاماً، ودفن بجوار قبر عقيل ابن أبي طالب في مقبرة البقيع.

3. محمد بن عليّ المعروف بابن الحنفيّة

كان من أبرز الشخصيّات في صدر الإسلام، وهو ابن أميرالمؤمنين7، وشارك أباه أميرالمؤمنين7 في معارك الجمل وصفّين والنهروان، ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين، وتوفّي عام 81ه ، ودفن في البقيع.

4. أبوسفيان بن الحارث

هو ابن عمّ الرسول9، آمن عام 6ه ، وعاد في عام 20ه إلي المدينة المنوّرة، وتوفّي فيها، ودفن في البقيع.

5. إسماعيل بن جعفر

هو ابن الإمام الصادق7، وكان يعيش مع اُسرته في منطقة «العُريض»، توفّي زمان حياة أبيه عام 143ه ، ودفن في البقيع، ويبعد قبره عن قبور أئمّة أهل البيت: حوالي 15 متراً، وبعد مبادرة الحكومة السعودية إلي توسعة المسجد وإحداث شارع أبي ذر، نُقل قبر إسماعيل إلي داخل البقيع.

ص:26

6. عثمان بن مظعون

كان من أفاضل صحابة رسول الله9، وكان الشخص الثالث عش_ر من الأوائل الذين آمنوا بالنبيّ9، وقد هاجر مرّتين إلي الحبشة، واشترك في حرب بدر، وبعد عودته إلي المدينة توفّي بعد مرور 22 شهراً من الهجرة، وكان عثمان بن مظعون أوّل مهاجر توفّي في المدينة، ودفن في البقيع.

7. أسعد بن زرارة

هو من أهل بيعة العقبة، وهو أوّل شخص أقام صلاة الجمعة في المدينة المنوّرة بأمر من رسول الله9، وقد توفّي في المدينة ولم يتمّ بعد بناء مسجد النبيّ9، وقام الرسول9 بتغسيله وتكفينه وهو يبكي عليه، ثمّ صلّي عليه9، ودفنه في البقيع.

8. خنيس بن حُذافة

كان من أوائل الذين أسلموا، وهو من المهاجرين إلي الحبشة، شارك في حرب بدر، وجُرح فيها بحيث أدّي به هذا الجرح إلي استشهاده في العام الثالث للهجرة، وصلّي على جثمانه الرسول9، ودفنه جوار قبر عثمان بن مظعون.

9. سعد بن معاذ

كان من قبيلة الأوس، وهو من كبار صحابة الرسول9، وكانت راية قبيلة الأوس بيده في حرب بدر، ثمّ جُرح في حرب الخندق، وبلغ حدّ الموت، ثمّ توفّي في وقت تزامن مع غزوة بني قريظة، وصلّي عليه الرسول9، ودفنه في البقيع، جوار قبر فاطمة بنت أسد3.

ص:27

10. عبدالله بن مسعود

كان من أوائل الذين آمنوا برسول الله9 وأسلموا علي يديه، وبلغ المرتبة السامية في قراءة القرآن وتعليمه، وكان له دور في جمع القرآن الكريم، توفّي عام 32 للهجرة، ودفن في البقيع جوار قبر عثمان بن مظعون.

11. أبوسعيد الخُدرى

كان من صحابة الرسول9، وشارك في حرب اُحد، وكان متحلّياً بالعلم والشجاعة، وعدّ بعد وفاة النبيّ من رواة مناقب أهل البيت:، توفّي في المدينة عام 64 أو 74 للهجرة، ودفن قرب قبر فاطمة بنت أسد3.

12. المقداد بن الأسود

كان من صحابة الرسول9 الأجلّاء، وكان يحبّه الرسول9، توفّي عام 33ه وله من العمر 70 عاماً، وكانت وفاته في منطقة الجُرف، وهي تبعد ثلاثة أميال عن المدينة المنورّة، ونُقل جثمانه إلي المدينة، ودفن في البقيع.

13. أرقم بن أبي أرقم

كان من الأوائل الذين اعتنقوا الإسلام، وكان بيته في مكّة مقرّاً لنش_ر الدعوة الإسلاميّة وتبيين تعاليم الرسول9، وشارك في العديد من الحروب والغزوات التي وقعت في صدر الإسلام، وتوفّي وله من العمر 80 عاماً، ودفن في البقيع.

14. حكيم بن حِزام

هو ابن أخي خديجة3، أسلم يوم الفتح، وتوفّي في المدينة بعد عام 54ه ، ودفن في البقيع.

ص:28

15. جابر بن عبدالله

كان من الصحابة المعروفين، شارك في 19 غزوة، وتوفّي عام 90ه وله من العمر 94 عاماً، ودفن في البقيع.

16. زيد بن ثابت

كان ممّن شارك في جمع القرآن الكريم، وتوفّي عام 45 أو 50 للهجرة، ودفن في البقيع.

17. سهل بن سعد الساعدي

توفّي عام 88ه وله من العمر مائة سنة، وكانت وفاته في المدينة.

18. مالك بن أنس

هو أحد أئمّة المذاهب الأربعة عند أهل السنّة، وهو إمام مذهب المالكيّة، وتوفّي في المدينة ما بين أواسط عام 174ه وحتّي عام 179ه ، ودفن في البقيع.

19. نافع المدني

كان من كبار التابعين، وتوفّي ما بين عام 117 إلي عام 120ه ، وكانت وفاته في المدينة، ودفن في البقيع، وقد دفن بجواره مالك بن أنس.

20. نافع شيخ القرّاء

هو أحد القرّاء السبعة، وكان يقرأ للناس القرآن في المدينة المنوّرة حوالي 70 سنة، وتوفّي عام 169ه في المدينة، ودفن في البقيع.

21. أ ُسامة بن زيد

توفّي في المدينة عام 54ه وله من العمر 57 سنة.

ص:29

22. زيد بن سهل، أبوطلحة الأنصاري

كان من صحابة الرسول9، وتوفّي في المدينة عام 34ه أو بعد مرور أربعين يوماً من وفاة النبيّ9.

23. شهداء واقعة الحَرّة

دفن في البقيع أيضاً مجموعة من شهداء واقعة الحرّة الذين سفكت دماؤهم علي يد جيش مسلم بن عقبة وبأمر يزيد بن معاوية.

مزار شهداء واقعة الحَرّة

و من الشخصيّات المعروفة في صدر الإسلام، والمدفونة في مقبرة البقيع:

1. عبدالرحمن بن عوف2. عثمان بن عفّان

3. سعد بن أبي الوقّاص4. أبوهريرة

5. صهيب بن سنان6. اُسيد بن حضير

7. حويطب بن عبد العُزّى8. رُكانة بن عبد يزيد

9. عبدالله بن سلام10. عبدالله بن عمرو

11. أبوسلمة بن عبدالأسد12. عبدالله بن عتيك

ص:30

13. قتادة بن نعمان14. عمرو بن حَزم

15. مخرمة بن نوفل16. عبدالله بن أنيس

17. براء بن معرور18. جبير بن مُطعِم

19. مِسْطَح بن اُثاثة20. معاذ بن عفراء

21. ابن عمر بن نفيل22. مالك بن تيّهان

23. أبو أسيد الساعدي24. محمد بن مَسلمة

25. عُوَيْم بن ساعدة26. كعب بن عمرو

بيت الأحزان

تقع في جهة الشمال من قبور أئمّة أهل البيت: في البقيع بقعة صغيرة كانت تأوي إليها فاطمة الزهراء3 بعد رحلة أبيها9، وتذرف فيها الدموع المنهمرة؛ لفقد أبيها ولما لاقته من مصائب ومحن بعد فقده، وعُرفت هذه البقعة ببيت الأحزان، أو مسجد فاطمة، وكانت هذه البقعة إلي أوائل القرن الأخير ذات مبني يزوره الناس، ويقيمون فيه الصلاة.

اهتمام الاُمراء بمقبرة البقيع

اهتمّ اُمراء المدينة علي مرّ العصور بمقابر أهل البيت: وزوجات النبيّ9 وأبنائه9 والصحابة والتابعين المعروفين والمدفونين في البقيع، وكانت قبور هؤلاء مزيّنة بالأحجار المزخرفة بالنقوش وذات أبنية مشيّدة، وأضرحة ثمينة، كما كان هؤلاء الاُمراء يهتمّون دائماً بصيانة هذه الآثار والحفاظ عليها...(1) .


1- مدينه شناسي، ج 1، ص 323؛ تاريخ حرم ائمة البقيع، ص 87.

ص:31

و قد ورد في جميع كتب الرحلات التي ألّفها مَن زار المدينة المنوّرة بأنّ مقبرة البقيع كانت قبل هيمنة السلطة الوهّابيّة علي الحجاز ذات بنايات وقباب، وكانت قبور أئمّة أهل البيت وبقيّة الصلحاء قد بني عليها بنيان ذات قباب، وقد ورد وصف هذه البنايات والقباب في هذه الكتب.

و اهتمّ أيضاً المصوّرون بمقبرة البقيع والتقطوا منها صوراً تكشف حقيقة الأبنية والقباب التي كانت في البقيع، ومن هذه الصور ما التقطها «إبراهيم رفعت باشا» في عام 1318 إلي عام 1325ه . ق، وأيضاً ما التقطها «محمّد لبيب بك» في عام 1377ه . ق.(1)


1- مدينه شناسي، ج 1، ص 333.

ص:32

صورة القباب والمزارات، في البقيع

ص:33

هدم القباب والمزارات

اشاره

قام آل سعود بعد هيمنتهم علي دفّة الحكم _ ونتيجة انتمائهم إلي معتقدات محمّد ابن عبدالوهاب _ بتدمير الآثار المبنيّة علي قبور شخصيّات صدر الإسلام، والقضاء عليها في كلّ مدينة ومنطقة تمكّنوا من بسط نفوذهم عليها.

و أقدم الوهّابيّون في البداية في عام 1221ه علي هدم بعض الأبنية المشيّدة علي القبور في البقيع، وبعد هيمنتهم الكاملة علي أرض الحجاز قاموا في شوال عام 1344ه بهدم جميع ما كان مبنيّاً علي القبور في البقيع، ونهبوا ما كان ثميناً في هذه الأبنية، ولم يقتصر هذا الهدم علي مزارات المدينة المنورة، بل قاموا بهدم جميع القباب والمزارات والبنايات المشيّدة علي القبور في كلّ مكان امتدت سلطتهم إليه.

و بيّن السيّد محسن الأمين أبعاد هدم الوهّابييّن للمزارات في الحجاز بقوله:

«لما دخل الوّهابيّون إلي الطائف هدموا قبّة ابن عبّاس كما فعلوا في المرّة الاُولي، ولمّا دخلوا مكّة المكرّمة هدموا قباب عبدالمطّلب جدّ النبيّ9، وأبي طالب عمّه، وخديجة اُمّ المؤمنين، وخرّبوا مولد النبيّ9 ومولد فاطمة

ص:34

الزهراء3، ولمّا دخلوا جدّة هدموا قبّة حوّاء وخرّبوا قبرها كما خرّبوا قبور من ذكر أيضاً، وهدموا جميع ما بمكّة ونواحيها، والطائف ونواحيها، وجدّة ونواحيها، من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرّك بها. ولمّا حاصروا المدينة المنوّرة هدموا مسجد حمزة ومزاره؛ لأنّهما خارج المدينة، وشاع أنّهم رموا قبّة النبيّ9 بالرصاص، ولكنّهم أنكروا ذلك.

ولمّا استولوا علي المدينة المنوّرة خرج قاضي قضاتهم الشيخ عبدالله بن بليهد من مكّة إلي المدينة في شهر رمضان سنة 1344ه ووجّه إلي أهل المدينة سؤالاً يسألهم فيه عن هدم القباب والمزارات، فسكت كثير منهم خوفاً وأجابه بعضهم بلزوم الهدم...

وإنّما أراد بهذا السؤال تسكين النفوس لا الاستفتاء الحقيقي، فإنّ الوهابييّن لا يتوقّفون في وجوب هدم جميع القباب والأضرحة حتّي قبّة النبيّ9، بل هو قاعدة مذهبهم وأساسه، وبعد صدور هذا السؤال والجواب هدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها من القباب والأضرحة والمزارات، فهدموا قبّة أئمّة أهل البيت: بالبقيع، ومعهم العبّاس عمّ النبيّ9 وجدرانها وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين علي قبورهم، وصرفوا علي ذلك ألف ريال مجيدي(1) ، ولم يتركوا غير أحجار موضوعة علي تلك القبور كعلامة، وهدموا قباب عبدالله وآمنة أبوي النبيّ9 وأزواجه، وعثمان بن عفّان، وإسماعيل بن جعفر الصادق، ومالك إمام دار الهجرة، وغير ذلك ممّا يطول باستيفائه الكلام.

وبالجملة، هدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها، وينبع وغيرها، من القباب والمزارات والأضرحة، وكانوا قبل ذلك هدموا قبّة حمزة عمّ النبيّ9، وشهداء


1- جاء في كتاب تاريخ حرم أئمّة البقيع، ص 51: أنّ هذا الإقدام كان في الثامن من شهر شوال عام 1344 ه . وقد صرفوا علي العمّال الذين قاموا بهذا العمل مبلغ ألف ريال مجيدية!

ص:35

اُحد كما مرّ، حتّي أصبح مشهد حمزة والشهداء والجامع الذي بجانبه وتلك الأبنية كلّها أثراً بعد عين، ولا يري الزائر لقبر حمزة اليوم إلّا قبراً في بريّة علي رأس تلّ من التراب، وتريّثوا خوفاً من عاقبة الأمر عن هدم قبّة النبيّ9، وضريحه التي حالها عندهم كحال غيرها أو أشدّ؛ لشدّة تعلّق المسلمين بذلك وتعظيمهم له، وأدلّتهم الآتية وفتواهم لا تستثني قبّة نبيّ ولا غيره، وما أعلنه سلطانهم في الجرائد من أنّه يحترم قبّة النبيّ9 وضريحه، يخالف معتقداتهم جزماً، ولا يراد منه إلّا تسكين الخواطر، ومنع قيام العالم الإسلامي ضدّهم، ولو أمنوا ذلك ما توقّفوا عن هدمها وإلحاقها بغيرها، بل كانوا بدأوا بها قبل غيرها».(1)

و كتب أيّوب صبري باشا حول هدم القبور في الحرمين الش_ريفين قبل الاستقرار الكامل للحكومة السعودية:

«ولكنّ الشريف غالب لم يحصل منهم _ وبعد سكوت مدّة طويلة _ علي جواب، إلّا الرفض من كلّ منهم، فاضطرّ إلي تعيين أخيه الش_ريف عبدالمعين نائباً (قائم مقام) علي إمارته، ثمّ أحرق قص_ره الواقع عند سفح جبل أجياد، وأخذ أولاده وأهله، وتوجّه إلي جدّة، وأرسل الش_ريف عبدالمعين في سنة 1218ه ، إلي سعود بن عبدالعزيز، عدداً من علماء مكّة، وهم: الشيخ محمد طاهر والسيّد محمّد أبو بكر الميرغني والسيّد محمّد العكاس وعبدالحفيظ عجيمي، يطلب منه العفو والأمان.

وقبل سعود رجاء الش_ريف عبدالمعين والتماسه، واصطحب العلماء المبعوثين المذكورين، وأخذ جيشه، وتوجّهوا إلي مكّة المكرمة، وهناك أقرّ سعود الش_ريف عبد المعين في منصبه قائم مقام للإمارة، وأمر بهدم القباب والأضرحة الموجودة في مكّة وتخريبها. وبهذا دلّل علي فساده وبغيه.


1- وهابي ها، صص 76 و 77؛ كشف الارتياب، ص 55.

ص:36

فالوهّابيّون يقولون أَنّ أهالي الحرمين الشريفين يعبدون القباب والقبور من دون الله تعالي، فإذا هدموا تلك القباب وأزالوا جدرانها، تحقّق لهم إخراج الناس من دائرة الشرك والكفر، وبذلك يعبدون الله وحده».(1)

وكتب أيّوب صبري باشا في مكان آخر:

«الشروط التي اقترحها سعود كما يلي:

1. يجب عليكم عبادة الله تعالي وطاعته حسب اعتقاد الوهّابييّن وأحكامهم.

2. التصديق بنبوّة النبيّ9 ورسالته، وإظهار الحرمة والتعظيم له علي الشكل والصورة التي بيّنها وحدّدها إمام المذهب الوهابي.

3. هدم كافّة القبور والأضرحة، سواء في داخل المدينة المنورة أو في نواحيها وأطرافها وإزالتها، سواء كانت عليها قبّة أو لا قبّة عليها، وتترك كأنّها قبر عادي، أي بعد أن تهدم المباني والقباب، ترفع ما علي الأضرحة من الصناديق والأغطية، ويهال عليها التراب والحصي.

4. علي كلّ شخص أن يرجع عن دين آبائه وأجداده ومذهبهم، ويدخل في دين الوهّابييّن وعقيدتهم، وأن يعمل بعد ذلك بأحكام الديانة الوهّابيّة.

5. التصديق بأنّ محمّد بن عبدالوهاب ملهم من الله الرحمن، والإيمان بصحّة وصدق مذهبه وديانته، والاعتراف بابن عبدالوهاب مجدّداً للدين والمذهب.

6. إظهار الشدّة والإنكار والغضب علي كلّ من لم يدخل في دين الوهّابييّن وعقيدتهم، أي الذين يثبتون علي دين آبائهم وأجدادهم، والتضييق عليهم ومجافاتهم، وإهانتهم وتحقيرهم.


1- تاريخ وهابيان، ص 68.

ص:37

7. إخبار اُمراء الوهّابييّن عن العلماء الذين يأبون الدخول في الدين الوهّابي، أو أماكن العلماء الذين يختفون في بيوتهم ومنازلهم.

8. الموافقة علي دخول الوهّابييّن إلي القلعة التي يعيّنون حرّاساً حماة عليها.

9. قبول أيّ أوامر أو نواهٍ تنشر وتعلن، سواء كانت سياسيّة أو دينيّة، مهما كانت مهمّة ومشكلة، والعمل بموجبها بخلوص قلب، والقيام بحقّ الأمراء الوهّابييّن من الرعاية والاحترام الفائقين(1).

وبعد أن وافق الناس علي شروط سعود أوكلَ سعود أمر تخريب القباب والمراقد إلي الناس أنفسهم، وحيث كان الناس في حصار اقتصادي شديد، وكانوا يعانون من شتّي أنواع الظلم تقبّلوا هذا الأمر وأقدموا علي تنفيذه».

وينقل أيّوب صبري باشا نصّ رسالة أبناء المدينة إلي سعود بن عبدالعزيز التي جاء فيها: «... أمرتنا بهدم القباب التي فوق القبور، فهدمناها مراعاة للحديث المشهور، وكلّما صدر منك الأمر فيمضى حكمه علي رغم أنف زيد وعمرو...».(2)

و ذكر أيّوب صبري باشا أيضاً:

«و إذا كانت عريضة أهل المدينة قد وصلت إلي سعود بن عبدالعزيز، ... ولهذا لم يستقبل سعود وفد المدينة المنوّرة... ولهذا قام هذا الملعون بزيادة الضغط والأذى علي أهل المدينة المنوّرة ومضايقتهم، وفي يوم وصوله إلي المدينة أمر بهدم بقيّة الأضرحة المنيفة وتخريبها.

وكان من جملة أوامر سعود أن يقوم خادم الضريح بهدم قبّته، ولهذا بادر


1- تاريخ وهابيان، صص 81 و 88.
2- تاريخ وهابيان، ص 92.

ص:38

خدّام الأضرحة طوعاً أو كرهاً بهدم القباب التي تعلوها.

ولكن خدّام ضريح سيّدنا حمزة، اعتذروا لسعود بقولهم: نحن ضعاف وكبار في السنّ ونعجز عن هدم هذه القبة الشريفة، فتوجّه بنفسه ومعه خاصّة عبيده لهدم ذلك الضريح بالذات، وأمر أحد رعاع الوهّابيّة...، و كان _ يعلم أنّه يعادل فرقة كبيرة من الرجال في الشجاعة _ وأمره بالصعود إلي أعلي القبّة الشريفة، ومعه معول وجاروف، وامتثل هذا... للأمر بقوله: «علي الرأس يا سيّدي» وصعد علي القبة الش_ريفة، وضرب بالمعول علي القبّة [الهلال الموجود في أعلي القبّة] ضربة قويّة، إلّا أنّ المعول طار من يده، وأسقط معه هذا... علي الأرض، ولمّا رأي سعود هذا، تخلّي عن هدم القبّة، واكتفي بحرق بابها... .

جمع سعود أهالي المدينة، رجالاً ونساءً في ساحة المناخة، وأغلق باب القلعة واعتلى كرسياً (منبراً) مرتفعاً، أعدّ خصيصاً له و خاطب الناس بصوت مرتفع قائلاً، «يا أهل المدينة، أنا لست مطمئناً إليكم وغير واثق بكم، ويبدو لي أنكم تنوون الثبات على دين الإسلام، ولا تريدون الدخول في العقيدة الصحيحة وهي الديانة الوهابية. فأنتم منافقون ولا تظهر على وجه أي منكم لمعة نور الهداية، وتفكرون في البقاء على شرككم القديم. ولقد أعطيت أوامر مشددة من أجل جلب حراسكم الموجودين في القلعة إلى هنا، فإذا ظهرت منكم مخالفة لأوامري وطاعتي، فاعلموا علم اليقين إنني قد قررت أن أطبق عليكم أيضاً ما سبق أن أجريته على أهل الطائف من العدالة المذهبية».(1)


1- تاريخ وهابيون، ص94.

ص:39

و كتب أيّوب صبري باشا في موضع آخر من كتابه:

«و ما كاد المحمل الشامي يبتعد عن المدينة بعدّة منازل، حتّي انتقل سعود إلي المحكمة الشرعيّة، وأعطي أوامره بالإغارة علي الحجرة النبويّة الش_ريفة وخزينتها، ونهب كلّ ما كان فيها من الذهب والمجوهرات والأشياء الثمينة، ثمّ أمر بهدم ما بقي من القباب التي لم تهدم، ولكنّه أبقي القبّة النبويّة الخض_راء في حالة خراب، بعد أن استعطفه الأهالي بتركها»(1).

«[ثمّ] أمر بجمع أهالي المدينة المنوّرة كلّهم في المسجد النبويّ الش_ريف، وبدأ يخطب فيهم، فقال: ...

«... ومن غير المشروع في مذهبنا أن تقوموا _ كما في السابق _ بالوقوف أمام القبر النبويّ الشريف، وتعظّموه، وتصلّوا وتسلّموا عليه. فهذه الأفعال القبيحة من البدع غير المستحسنة، وهي محرّمة في الدين الوهّابي.

و من الواجب على من يمرّ من أمام القبر الش_ريف، أن يعبر بدون توقّف، وفي أثناء مروره يسلّم علي النبيّ9 و يقول: (السلام علي محمّد)، وهذا الاحترام والرعاية كافية حسب اجتهاد إمامنا محمّد بن عبدالوهّاب»(2).

ردود الفعل

اشاره

بعد وصول نبأ تدمير قبور البقيع ولاسيما قبور أئمّة أهل البيت: المدفونين في تلك المقبرة، اُثيرت مشاعر الغضب والاستياء في إيران وأبدي الشيعة ردود فعل شديدة بحيث اضطرّ رئيس الوزراء آنذاك أن يعلن يوم السادس عش_ر من شهر صفر يوم حداد، وكان نصّ البيان الصادر كالتالي:


1- تاريخ وهابيون، ص 107.
2- المصدر نفسه، ص108. هذا الخطاب موجود في كتاب «تاريخ وهابيان» باللغة الفارسية، وحيث لم نظفر بمصدره وباللغة العربية التى القاها الملك سعود بن عبدالعزيز فقد نقلناه من الفارسية الى العربية

ص:40

برقيّة فوريّة

إلي عامّة حكّام الإيالات والولايات وعمّال الحكومة:

وفق الأخبار التي اُبرقت إلينا بلغنا أنّ الفرقة الوهّابيّة أساءت الأدب إلي المدينة المنوّرة، ووجّهت نيران المدفع نحو المسجد الإسلامي الأعظم، والحكومة بعد اطّلاعها علي هذه الفاجعة العظيمة دهشت وبدأت بدراسة الأمر والتهيّؤ لاتّخاذ الإجراءات المؤثّرة. وعلي نحو العجالة وبعد اتّفاق آراء حجج الإسلام، قرّرت الحكومة أن تعطّل كل أنحاء المملكة لمدّة يوم كامل؛ إبداءً لمشاعر التأثر ومن أجل القيام بمجالس العزاء، ولهذا ا ُعلن لجميع علماء الأعلام في أيّ مكان، ولجميع إدارات الدولة، وعامّة الناس، أن ينش_روا هذا الخبر، وأن يعلنوا بأنّ يوم السادس عش_ر من شهر صفر يوم عطلة وعزاء.(1)

و تبعاً لهذا البيان أصبح يوم السبت السادس عشر من شهر صفر (15 شهريور) يوم عطلة، وأقامت مختلف الهيئات في طهران مراسم العزاء، واجتمع العلماء في ذلك اليوم في مسجد سلطاني، وكانت مواكب العزاء تقصد هذا المسجد من جميع أنحاء طهران وتبدي استياءها وغضبها من هذه المسألة.

و في مساء هذا اليوم أيضاً اجتمع عش_رات الآلاف في منطقة «دروازه دولت»، وألقي الخطباء هناك الخطب المهيّجة، وأبدوا استيائهم ونفرتهم إزاء ما جري في المدينة وإهانة الوهّابيّة لقبّة مرقد النبيّ9.(2)

و وكالة أنباء «ديلي تلغراف» ذكرت في تقريرها عن مراسم هذا اليوم:


1- مدرس قهرمان آزادي، ج 2، ص 682
2- المصدر نفسه.

ص:41

في وسط التقاطع... وُضعت منصّة خشبيّة ذات ستّة أضلاع، ويبلغ ارتفاعها 30 قدماً، وكانت المنصّة مفروشة بالسجّاد، وكان يرفرف فوقها علم أسود ... وكان حول هذه المنصّة 25 ألف شخص من مختلف الأعمار، جالسين بروكاً علي ركبهم، وهم ينتظرون... دخل السيّد «المدرّس»... فاستقبله الناس بالتصفيق والهتاف... فأبدي سماحته شكره للحضور، وجلس بين العلماء وممثّلي المجلس... بدأ الميرزا عبدالله الواعظ المعروف كلامه بمدح الرسول والصلاة والسلام عليه وعلي أهل بيته الأئمّة الأطهار، ولكنّه فجأة توجّه بهدوء إلي السيّد المدرّس وقال: إن تعلنوا الجهاد، فسيتوجّه الناس حفاة ومن دون سلاح نحو مرقد النبيّ ويقطّعون أعداء الله بأسنانهم وأظافيرهم... وكانت أكثر العبارات حماسيّة وممزوجة بالبكاء والنحيب.(1)

خطاب السيّد المدرّس في المجلس

ألقي السيّد المدرّس= بهذه المناسبة خطاباً في اليوم الثامن من شهر شهريور 1304ه الموافق 10 صفر المظفّر عام 1344ه .ق في مجلس الشوري الوطني، وقال بعد بيان مقدّمة:

«... نحن بصورة عامّة ضيّعنا أنفسنا، لدينا إخوة في جميع أنحاء الدول الإسلاميّة، لم يتمّ التصرّف معهم بالصورة المطلوبة، علينا أن نستيقظ ونعي ما يدور حولنا وأن نحرس مجتمعنا.

أسأل أهل هذه الاُمّة: أيّ وقت أفضل من هذا الوقت؟ هل تجدون يوماً أفضل من هذا اليوم؟ من هو المستعدّ ليحمل اللواء ويقول أنا أحمل لواء


1- مجله «تاريخ روابط خارجي»، السنة الثانية، الرقم 9، ص 28، نقلاً عن «رستاخيز ايران، سازمان برنامه»، صص 233 و 234.

ص:42

الإسلام وأقوم بتطوير هذه الاُمّة في ظلّ وطنيّتها وفي ظلّ ديانتها الاسلاميّة؟

اليوم عندما وصلنا نبأ هذه الواقعة، ونحن لم نطمئنّ بعد م_مّا وقع، ولم نطّلع علي تفاصيل الاُمور؟ والحكومة ملزمه بالبحث الكامل في هذا المجال وإخبار المجلس بالمجريات، ولكن أقول: إنّ إيران اليوم جزء من أجزاء الدول الإسلاميّة، بل يمكن القول بأنّها الجزء الأكبر بين الدول الإسلاميّة. ويجب اليوم علي هذا المجتمع أن يعرّف نفسه لجميع أبناء العالم، ويبيّن لهم بأنّ الشعب إلايراني وحكومته يحافظون علي مجتمعهم، ولديهم القدرة علي صيانة أنفسهم ببركة هذا المجتمع.

الحكومة طلبت من المجلس تشكيل لجنة، ولا يخفي بأنّ من وظيفتهم تقديم هذا الطلب، وسيساعد المجلس علي إنجاز هذا الأمر، وحسب اعتقادي علينا أن نبذل غاية جهدنا الفكري في هذا الصعيد، وعلينا اتّخاذ خطوات لصيانة ديننا والحفاظ علي قوميّتنا ووطنيّتنا، وعلينا أن لا نقدّم أيّ عمل أو أمر آخر علي هذه القضيّة، وعلينا أن لا نسمح لهذه المسألة أن تتّسع وتؤدّي إلي المزيد من الدمار في المجتمع؛ لئلّا نواجه ضرراً أعظم وتكون حالتنا _ لا سمح الله _ أسوأ ممّا نحن عليه الآن، ولا أقول أكثر من هذا».(1)

و قام السيّد المدرّس= بعد إلقاء هذا الخطاب بتشكيل لجنة خاصّة لمتابعة هذه المسألة بصورة جادّة ومنظور إليها بعين الاعتبار.

رسائل وبرقيّات العلماء والمراجع

طالب مراجع وعلماء الحوزة العلميّة أيضاً عن طريق بعث الرسائل والبرقيّات أن تكون مواجهة حاسمة إزاء مسبّبي تخريب القبور وتدمير الآثار


1- مدرس قهرمان آزادي، ج 2، ص 684.

ص:43

المقدّسة. وبعث آية الله السيّد أبوالحسن الأصفهاني= برقيّة إلي آية الله الشيخ محمّد الخالص_ي= في الكاظمين، وهو بدوره أيضاً أبلغ السيّد المدرّس= بهجوم الوهّابيّة(1). وكتب المدرّس في جواب آية الله الخالصي:

«إذا اقتضي الأمر أخبرني لأنطلق مع مجموعة من الشعب الإيراني!»(2).

و بعد وصول رسالة المدرّس شاع في العراق بأنّ المدرّس تحرّك من طهران ومعه ما يقارب 200 ألف شخص.(3)

ردود فعل سائر المسلمين

اشاره

أبدي مسلموا المناطق الاُخري أيضاً استياءهم إزاء هذا الفعل الشنيع، وبعثوا رسائل وبرقيّات إلي طهران لإبداء استيائهم هذا، وطالبوا الآخذين بزمام الاُمور فيها اتّخاذ موقف حاسم في هذا المجال.

و بعث أهالي القفقاز طوماراً من تفليس لممثّلي مجلس الشوري الوطني، وطالبوا منهم لحاظ اِهانات الفرقة الوهّابيّة وارتكابها للأفعال الشنيعة بدعم من رئيسهم الفاشل ابن سعود إزاء الأماكن المش_رّفة والمراقد المقدّسة، وأن يكون رئيس حكومة إيران الرائد لمواجهة هذه الأفعال، كما أنّ سائر الدول الإسلاميّة أيضاً تعرف وظيفتها بصورة جيّدة، وهي ستقدّم العون لاجتثاث جذور هذا الفساد والعداء للحقّ، وتساعد علي تطهير الأرض من وجودهم القذر.(4)


1- مدرّس، مجاهدي شكست ناپذير، عبدالعلي باقي، ص 78
2- المصدر نفسه، ص 129
3- المصدر نفسه.
4- مجلة «تاريخ روابط خارجي»، السنة الثانية، رقم 9، ص 26، نقلاً عن إرشيف وثائق وزارة الخارجية، عام 1302، رقم الجعبة 30، دوسيه 1

ص:44

وإضافة إلي مسلمي منطقة القفقاز، فقد بعث أبناء سائر المناطق أيضاً برقيّات مختلفة، وممّن بعث هذه البرقيات: مسلمو جميع الاتّحاد السوفياتي من قبيل: آذربيجان، ازبكستان، تركمنستان، قزاقستان، تاتارستان، ياشقيرستان، قزاقان، وأتباع دول إيران، تركيا، أفغانستان، الصين ومغولستان. وبيّن هؤلاء في برقيّاتهم بأنّ مكّة المعظّمة والمدينة المنوّرة وما فيهما من آثار إسلاميّة متعلّقة بجميع المسلمين، ولهذا يجب علي جميع دول العالم الإسلامي أن يبذلوا غاية جهدهم للحفاظ علي هذه الأماكن المقدّسة.(1)

ردود فعل قائد الجيش§يعني به الملك الإيراني الأسبق رضا البهلوي لمّا كان قائداً للجيش§

و نظراً لشدّة الاحتجاجات أوعد قائد الجيش في المجلس أنّه سيتابع الموضوع بنفسه، لكن الوثائق والمستندات تكشف بأنّه لم يتّخذ أيّة خطوة إيجابيّة، وعلي سبيل المثال قال السيّد محمّدعلي الشوشتري ممثّل جرجان في مجلس الشوري الوطني في الجلسة 198، الدورة الخامسة:(2)

«نشرت البرقيات اللاسلكية» نقلاً عن ممثّل ابن سعود قضايا في هذه الدولة، وعلينا أخذ الأمر بعين الاعتبار، وعلي لجنة التحرّي المحترمة التي عيّنها رئيس الحكومة المحترم أن تكشف عن الحقيقة وتبيّن واقع الأمر، فلو صحّ ما جري، فإنّ علينا وفق رؤانا السياسيّة أن نلبّي مشاعر الجماهير المسلمة، ونمنع وصول أيّة يد تبغي التطاول والتجاسر علي مكّة والمدينة...».(3)


1- مجلة «تاريخ روابط خارجي»، السنة الثانية، رقم 9، ص 27، نقلاً عن برقيّة 6 / 9، ص 1925 إلي وليّ العهد ومجلس الشوري الوطني و...، وإرشيف وثائق وزارة الخارجية، عام 1304، رقم الجعبة 30، دوسيه 3 / 1.
2- مجلة «تاريخ روابط خارجي»، السنة الثانية، عدد 9، ص 28.
3- مشروح مذاكرات مجلس شوراي ملي، بتاريخ 23 شهريور 1304ه . ش.

ص:45

ردود فعل مسلمي الهند

إنّ ردود فعل مجلس إيران تركت التاثير أيضاً علي الهند. بحيث كتب شوكت عليّ، السكرتير العام الفخري لمؤتمر الخلافة في الهند في مراسلة مع زعماء ايران:

«نري في يومنا هذا في كلّ بلد إسلامي رجلاً قادراً ومتمكّناً وشجاعاً ومتديّناً يقود سفينة الحكم، ويهديها إلي الش_رف والعزّة والعظمة، ونحن في الواقع عندما تصلنا هذه الأنباء الرائعة بصورة مفصّلة عن الإخوة الإيرانييّن، ونشاهد تخلّيهم عن الكسل الذي كان مهيمناً عليهم سابقاً، ونري استعدادهم للتضحية من أجل تطوّر الوطن، فإنّنا نفرح بذلك كثيراً، ويس_رّنا هذا الأمر جدّاً بحيث لا يمكن التعبير عن ميزان هذا الفرح والس_رور، وسيعقد قريباً مؤتمر من قبل مسلمي العالم، وبما أنّ الحجاز المقدّسة هي منبع النور والتربية الإسلاميّة، وقد أزيلت عنها الهيمنة غير الإسلاميّة، فإنّنا نطالب جميع الممالك الإسلاميّة أن يبعثوا ممثّليهم إلي هذه البلدة، ونحن نطالب بجمهوريّة إسلامية يدير شؤونها الداخليّة الحجازيّون المنتخبون بمساعدة ومشورة المؤتمر الإسلامي».(1)

مسؤول شؤون الرعايا والحجاج إلايرانييّن

بعد انهيار حكومة الهاشمي في الحجاز عُيّن «منتخب الدولة» لتولّي مسؤولية الرعايا والحجّاج الإيرانيين بتاريخ 16 شهر تير عام 1303ه. ش، وذهب إلي مكّة المكّرمة، وبعد استلام عبدالعزيز لزمام الحكم وانتشار أنباء


1- مجلّة «تاريخ روابط خارجي»، السنة الثانية، عدد 9، صص 28 و29، نقلاً عن رسالة 14 ايلول 1925، الهيئة المركزية للخلافة في وثاق وزارة الخارجية.

ص:46

تدمير الآثار الإسلاميّة المقدّسة في مدينتي مكّة والمدينة، ونشوء حالة القلق في البلدان الإسلاميّة ولا سيما في إيران، كانت الحكومة السعودية متزلزلة ولم تصل بعد إلي حالة الاستقرار المطلوب، ولهذا كذّب عبدالعزيز هذه الأنباء وطلب من الدول الإسلاميّة أن تبعث إليه في الحجاز ممثّليها لمتابعة هذا الموضوع. وكانت إيران من أوائل الدول التي بعثت إلي الحجاز هيئة متكوّنة من غفّارخان جلال السلطنة (وزير إيران المفوّض في مصر) وحبيب الله خان هويدا، ودخلت هذه الهيئة إلي جدّة في تاريخ 24/6/1304ه. ش.(1)

واستقبل عبدالعزيز هذه الهئية استقبالاً حارّاً جدّاً، ورحّب بها أشدّ الترحيب، وعلي ضوء تقرير «هويدا» أبدي عبدالعزيز رغبته الشديدة للتقرّب إلي إيران، وكتب «هويدا» في هذا المجال:

«... توقّفنا ليلة واحدة في «بحره»، وكان لدينا لقاء ان مع عبدالعزيز، وقد تعامل معنا عبدالعزيز في غاية المودّة والاحترام، وأبدى في كلّ لقاء رغبته الشديدة للتقرّب من الحكومة الإيرانيّة، وكان يقول: دولة إيران مجاورة لنا، ويعيش في بلدنا حوالي ثلاثون ألف من الشيعة في نجد والأحساء، وبإمكانكم الاستفسار منهم حول معاملتنا لهم، وأكثر ما يقال عنّا مجرّد تهم وافتراءات، وستذهبون إن شاء الله إلي المدينة وترون بأعينكم كذب ما يفترى علينا! وأنا أقول لكم بص_راحة، وأنتم أيضاً اكتبوا إلي حكومتكم العليا بأنّني ساُحافظ علي الحرمين الش_ريفين وأحرسهما من كلّ سوء، واُضحّي من أجل حمايتهما بنفسي ومالي وأولادي، وما تمّ تدميره في مكّة فإنّه كان قبل تسلّمي لزمام السلطة».(2)


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 26.
2- المصدر نفسه، ص 27.

ص:47

ونجد بأنّ عبدالعزيز نسب هدم القبور إلي غيره في هذا المقام، لكنّه صرّح في لقاء آخر كان له مع هويدا: «... نعم، الوهّابيّة لا تجوز البناء علي القبور، أو صنع القباب عليها، وتعتقد بأنّ هذا الأمر بدعة، وتري بأنّ حديث «خير القبور الدوارس» حديثاً معتبراً، ولكنّني بعد استلامي لزمام الحكم منعت من هدم القبور، وقدرت حاليّاً بإصرار وإلحاح أن تبعث الدول الإسلاميّة والجمعيّات المسلمة ممثّليها إلي الحجاز، فإذا قرّروا البناء علي القبور فلا مانع لديّ من هذا الأمر، وساُساعدهم في هذا المجال، والأمر سهل...».

وقال ايضاً حول شيعة نجد:

«يوجد لدينا حوالي عشرين إلي ثلاثين ألف من الرعايا الشيعة في نجد والإحساء، فاقصدوهم واسألوهم، فإنّهم يعيشون في غاية الحرّية والارتياح، وهم مشغولون بأعمالهم التجاريّة وسائر مهنهم من دون أيّ تضييق أو تشدّد مذهبي عليهم، ولا يكون ولن يكون عليهم أيّ تشدّد طائفي...».(1)

نستنتج من هذه التقارير بأنّ الملك عبدالعزيز كان يواجه الكثير من المشاكل في بداية تثبيت سلطته، ولهذا كان يسعي أن ينسب تدمير الآثار الإسلاميّة إلي الوهّابيّة، كأنّهم هم المص_رّون علي هذا التدمير، وكان يحاول استقطاب الدول الإسلاميّة والتقرّب إليها من خلال الدعوة لإرسال ممثّليها إلي الحجاز، وجلب رضايتهم من أجل تثبيت حكومته وتضييع الوقت، وامتصاص الغضب العام؛ ليري ماذا بإمكانه أن يفعل بعد استقرار حكومته.

موقفان

كتب السيّد عليّ موجاني حول تشكيل لجنة باسم «لجنة الدفاع عن الحرمين الشريفين» التي تمّ تشكيلها بإصرار السيّد المدرّس:


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 28.

ص:48

كان السائد بين رجال السياسة في إيران في خصوص تدمير الآثار الإسلاميّة في الحجاز موقفين:

الأوّل: جماعة يتقدّمهم السيّد حسن المدرّس طالبوا من ممثّلي الدول الإسلاميّة مواجهة الوهّابيّة من أجل الحفاظ علي الحرمين الشريفين.

الموقف الثاني: جماعة متصدية للمناصب الإدارية والسياسيّة العليا في إيران، وكانوا يدافعون عن نظريّة هويدا المبتنية علي بعث ممثّل إلي مؤتمر الخلافة الإسلاميّة الذي عقده الوهّابيّة.

أتباع الموقف الأوّل لم يكونوا مستعدّين للتعرّف علي الوهّابيّة، بينما أتباع الموقف الثاني كان لديهم تبادل رسائل وبرقيّات وزيارات مع الوهّابيّة.

و كان الأمر علي وشك الانتهاء لصالح الموقف الأوّل، ولكن مع الأسف انتهت الدورة الخامسة للتقنين في الساعة الثالثة والنصف مساءً يوم الخميس 22/11/1304ه .ش، وكتبت جريدة «ناهيد» حول انتهاء هذه الدورة للمجلس:

«... إنا لله وإنا إليه راجعون... تمّ الاستيلاء علي ممتلكات المرحوم حسب وصيّته من قبل متولّي أمره «ارباب كيخس_رو»، رحمة الله عليه برحمةٍ واسعة».

عدم التعاون مع السعودييّن

أدّت هذه الواقعة _ علي الصعيد العملي _ إلي تقليل إمكانيّة نشاط السيّد المدرّس، ومع الأسف الشديد أدّي التعتيم علي مجريات الاُمور في الجرائد والمجلّات، وفقدان الوثائق والمستندات إلي سلب قدرتنا علي تقييم المجريات في تلك الفترة.

ص:49

وبعض الوثائق المتفرّقة الموجودة في إرشيف وزارة الخارجيّة للجمهوريّة الإسلاميّة إلايرانيّة تكشف بأنّ السيّد المدرّس خالف بشدّة الحضور في مؤتمر الخلافة الإسلاميّة، وقد أدّي هذا الأمر إلي نشوء حالة التذبذب بين شيعة سائر البلدان.(1)

وتزامناً مع انتشار فتاوي مجموعة من علماء الوهّابيّة المبيّنة علي وجوب هدم القبور، وعدم زيارة الأماكن المقدّسة، ووصول هذه الفتاوي إلي إيران، ساد العالم الإسلامي موجه من الاستياء والغضب، بحيث أدّي هذا الأمر إلي عدم حضور الكثير من البلدان الإسلاميّة _ حسب طلب السيّد المدرّس _ في المؤتمر، وكان السيّد المدرّس قد قال:

«لا أتصوّر بأنّ هذا الاجتماع يكون اجتماعاً حقيقيّاً من قبل البلدان الإسلامية، فسوريا _ علي سبيل المثال _ لم تجب دعوة ابن سعود، ولا أظنّ أحداً منهم يشارك في هذا المؤتمر، إلّا أن يحضر المؤتمر السوريّون الموجودون في مكّة، كما لا توجد أيّ قرينة تكشف حضور العراق وفلسطين والجزائر وتونس وتركيا وأفغانستان وغيرها من البلدان».

تشكيل مؤتمر الخلافة

عُقد مؤتمر الخلافة في أوّل ذي القعدة عام 1344ه .ق نتيجة الجهود المكثّفة التي بذلت لعقده، لكن لم يحضر هذا المؤتمر إلّا القليل، وفي الجلسة الثانية من المؤتمر اقترح الشيخ خليل الخالدي قاضي القضاة في سوريا أن تُجري حوارات مع البلدان الإسلاميّة ولا سيما إيران، ولم ينته المؤتمر، حتى وصل الخبر عن طريق علماء النجف بأنّ الوهّابيّة هجموا علي البقيع!(2)


1- مجلة «تاريخ وروابط خارجي»، السنة الثانية، عدد 9، صص 29 إلي 33.
2- المصدر نفسه، ص 31.

ص:50

تشكيل لجنة الدفاع عن الحرمين الشريفين

بعد انتشار هذا الخبر، اجتمع بعض علماء طهران ومنهم السيّد المدرّس في منزل إمام جمعة خوي، وقرّروا تشكيل لجنة في المجلس لمتابعة مجريات الاُمور، وبحضور السيّد حسن المدرّس والإمام جمعة خوى، إمام جمعة طهران، البهبهاني، آية الله زاده الخراساني، الحاج ميرزا محمّدرضا الكرماني، مستوفي الممالك، وثوق الدولة، محتشم السلطنة، مشير الدولة واحتشام السلطنه، لتقوم بدراسة الملفّات الموجودة في وزارة الخارجية ومكتب الملك وتتّخذ القرارات اللازمة في هذا الخصوص.

وعقدت أوّل جلسة لهذه اللجنة في اليوم التالي من تأسيسها، واقترح السيّد المدرّس في هذه الجلسة علي مستوفي الممالك أن يتصدّي في هذه الظروف الحسّاسة منصب رئاسة الوزراء.

وكان القرار المهمّ الآخر لهذه اللجنة إصدار بيان إلي وزارة البلاط لتلزم جميع أقسام وزارة الخارجية، أن لا تخطو خطوة في خصوص الاُمور المرتبطة بالحرمين إلا بعد اطلاع اللجنة.

كما تمّ الاتّفاق علي أن يكون اسم اللجنة: لجنة الدفاع عن الحرمين الشريفين، وتمّ دعوة مخبر السلطنة ومستشار الدولة وممتاز الدولة للحضور والمشاركة في جلسات هذه اللجنة.

وأمّا الحكومة الوهّابيّة فإنّها بدأت بنشاطات واسعة النطاق كردّ فعل إزاء مواقف هذه اللجنة، ونشر الشيخ رشيد رضا _ المش_رف العام لمجلّة المنار _ بياناً مفصّلاً في جرائد مصر، وأطلق علي حكومة إيران عبارة «الزندقة»، واستلم مقابل هذه الخدمة 4000 ليرة ذهب، ثمّ توجّه إلي مكّة المكرّمة،

ص:51

وبدأ بالتدريس في حلقة درس كبيرة كان يعقدها في صحن الكعبة المعظّمة، وكسب بهذا ودّ ابن سعود.

وكان الهدف الأول لهذه الحملة الشعواء هو الجناح المتديّن في إيران بزعامة السيّد المدرّس؛ لأنّ الوثائق والمستندات تكشف حسن العلاقة بين بلاط البهلوي وابن سعود.

وقد جاء في إحدى الوثائق:

«في مراسم تتويج صاحب الفخامة والجلالة سيادة الملك، بعث ابن سعود برقيّة تهنئة، فقرّرت حكومة إيران العليا بدل إجابة هذه البرقيّة عن طريق وزارة الخارجية المحترمة أو عن طريق البلاط، وبعثها إلي سلطان نجد أن ترسل عين الملك (هويدا) بصورة رسميّة إلي مكّة ليشكر ابن سعود علي برقيّة التهنئة التي بعثها إلي ملك إيران».(1)

وكان التزلزل في الموقف بين رجال السياسة في إيران يتصاعد ويشتدّ إزاء اتّخاذ قرار حاسم حول مجريات أحداث الحجاز، واللجنة التي كان يرأسها السيّد المدرّس ضغطت علي مستوفي الممالك رئيس الوزراء ليبدى اعتراض بياناً تحت عنوان «إعلان إلي جميع أبناء المملكة وعموم المسلمين» إيران الرسمي عبر نش_ره، وطلبت الحكومة في هذا الإعلان من جميع المسلمين أن يجتمعوا ويقوموا بحلّ المسائل المرتبطة بالحرمين الشريفين.(2)

كما أن هيئة النجف العلميّة التي تمّ تشكيلها أسوة بتشكيل لجنة الحرمين الش_ريفين بعثت برقية إلي السيّد حسن المدرّس وآخرين، وأعلنت استياءها وغضبها ممّا قام به الوهّابيّة، وأبدت استعدادها لصيانة حرمات الإسلام.


1- مجلة «تاريخ وروابط خارجي»، السنة الثانية، عدد 9، ص 31.
2- المصدر نفسه، ص 32.

ص:52

ومن هذا المنطلق عقد السيّد المدرّس مجلساً في مسجد «مروي طهران» وارتقي المنبر، وبيّن بصورة مفصّلة الجرائم التي ارتكبها الوهّابيّة، كما سلّط الضوء علي عقائد الوهّابيّة السخيفة، وطالب بتشكيل جامعة للدول الإسلامية.

وبعد افتتاح الدورة السادسة للمجلس _ وعلي رغم المشاكل الداخلية في البلد _ كان تفكير السيّد المدرّس ومن حوله مازال منشغلاً بموضوع الحرمين الشريفين.

وأشار البهبهاني في بدء كلمته إلي إهمال المسلمين لتحدّيات الكفّار، وقال مستنتجاً:

«إلى متي الخنوع؟! إلي متي الإهمال؟! إلي متي التقاعس...؟! ملؤوا قلب كلّ مسلم من مسلمي إيران قيحاً...! يريدون أن يضيفوا فرقة اُخري إلي فرق المسلمين...، وإيران أيضاً التى يجب عليها أن تهمّ بالأمر _ سواءً من الناحية السياسية أم العقائدية _ أكثر من جميع الفرق الإسلاميّة الاُخري، في أية حالٍ هي؟! ماذا صنع أصحاب السيادة والولاية ورجال السياسة والحكم والذين كانوا يرون أنفسهم كلّ شيء وغيرهم لا شيء؟ ماذا صنعوا من مواقف سياسيّة ودينيّة مهمّة في هذه الفترة الحيوية وخلال هذه المدّة المديدة التي تقارب سنة كاملة؟

بعضهم يكذّب الوقائع، وجماعة غير متفاعله، وبعض آخر يقول: نحن نعمل، ولكنّهم ماذا يعملون؟ يجلسون ويتحدّثون، ثمّ يذهب كلّ واحد منهم لشأنه، وكلّما سألت شخصاً، قال: لازلنا نناقش في هذا الأمر، وعموماً ماذا صنعتم لحدّ الآن؟ تحدّثتم أحاديث فارغة وبلا فائدة!».

ثمّ اقترح من جهته الحوار مع ممثّلي البلدان الإسلاميّة لعقد مؤتمر دولي

ص:53

يحدّد المستقبل السياسي للحجاز، وقدّم اقتراحاً للمجلس ليقوم المجلس بمتابعته فوراً، وكان يستهدف هذا الاقتراح أن تكون لجنة الدفاع عن الحرمين الشريفين لجنة قانونيّة، ولكن واجه هذا الاقتراح ردود فعل شديدة من قبل رئيس الوزراء وبعض الممثّلين.

ومتابعة النسخ الفريدة لمسودّات محادثات المجلس تكشف وجود تعتيم شديد؛ لئلاّ تتسرّب مجريات المجلس إلي الصحافة، وكانت «النظميّة» تفرض تعتيماً إعلامياً حتّي في كلام الوكلاء، ولا تسمح بنش_ر بعض كلامهم في الجرائد، وكانت مهمّة «النظميّة» تشكيل لجنة تقوم بالتعتيم الإعلامي.(1)

وفي النهاية تركت هذه الخطابات أثرها ويُوقَّع مقترح البهبهاني من قبل 22 شخصاً ومنهم السيّد المدرّس، وتطرح بعنوان بند واحد في المجلس، وعلي الرغم من مخالفة بعض الممثّلين وتشكيكهم في قدرات اللجنة، يقول السيّد المدرّس في دفاعه عن هذا البند:

«نعتقد بأنّ هذا البند له منافع كثيرة لدولة إيران علي الصعيد السياسي ومن ناحية الوجاهة، ويجب علينا اتّخاذ هذا الموقف؛ حفاظاً علي محوريّة إيران، ولأهميّة هذه المسألة كلّنا نشارك، إيران دولة إسلاميّة كبيرة، إذن يجب تسليط الضوء علي هذه المسألة؛ لأنّ الجميع يهتمّ بها، ولا يخفي بأنّ مجلس الشوري الوطني أحقّ وأولي بالمساهمة في هذا المجال، ولا يمكننا القول بأنّ هذه المسألة الكبيرة تنتهي في شهر واحد أو شهرين أو سنة واحدة، المسألة أكبر من هذا، بل يجب متابعة الأمر سنة وسنتين كي نصل إلي النتيجة المطلوبة إن شاء الله، ونحن لا نفقد أملنا».(2)


1- مجلة «تاريخ وروابط خارجي»، السنة الثانية، عدد 9، صص 32 و33.
2- المصدر نفسه، ص 33.

ص:54

تكشف الوثائق والمستندات الناقصة بأنّ هذه المادّة تمّ التصويت عليها، ولكن يبدو أن الضغوط الكبيرة التي اُجريت علي المجلس عرقلت الأمر، وبعد مرور شهر واحد تقريباً وقعت محاولة اغتيال للسيّد المدرّس بتاريخ 7/8/1305 في طريق مدرسة سبهسالار (شهيد مطهري)، والسيّد المدرّس علي الرغم من نجاته من هذه المحاولة لاغتياله لكنّه لم يتمكّن من الحضور في عشر جلسات _ علي أقلّ تقدير _ من جلسات المجلس.

ومع الأسف نتيجة فقدان الوثائق فإنّنا لم نطّلع علي نتائج إجراءات اللجنة ونشاطات السيّد المدرّس بعد ذلك.

وتوجد فقط وثيقة واحدة تعود تقريباً لعام 1345ه .ق / 1305ه .ش، تكشف إلي حدٍّ ما مدي الضغط الموجّه علي جماعة السيّد المدرّس، وفي هذه الوثيقة نجد بأنّ الميرزا مهدي الزنجاني يطلب من أحد تجّار (طهران) بأن يوصل رسالة إلي السيّد المدرّس، والوثيقة هي:

«إذا لم تتّخذ حكومة إيران موقفاً حاسماً فسيؤدّي هذا الأمر إلي ذلّة المسلمين، وسيوجب نشوء الكثير من المفاسد، لقد كتبت لكم هذه الورقة سرّاً... شهد الله تعالي أنا أخشي أن تكرّر هذه القضيّة (هجوم الوهّابيّة) وتؤدّي إلي إفساد المسلمين».

وكتب السيّد المدرّس في حاشية هذه الرسالة بيتاً واحداً فقط من الشعر، يكشف مضمونه مدي الصعوبات التي يواجهها السيّد المدرّس وراء الستار، ومضمون هذا الشعر: نعلم ما لا تعلم!(1)


1- مقال: المدرّس ولجنة الدفاع عن الحرمين الشريفين، فصلية «تاريخ وروابط خارجي»، السنة الثانية، عدد 9، صص 29_33.

ص:55

هيمنة عبدالعزيز على الحجاز

بعد استقالة الملك عليّ من السلطة، هيمن عبدالعزيز علي دفّة الحكم في الحجاز وأصدر بياناً بتاريخ 22 جمادى الثانية 1344 جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونشكره ونصلى ونسلّم على خير أنبيائه وأشرف مخلوقاته سيدنا محمد6 أما بعد:

الجميع قد اطلع علي الحوادث التي جرت بيننا وبين حسين وأبنائه، وقد اضطررنا للدفاع عن أنفسنا وبلادنا المقدّسة والوقوف بوجه الأفعال الشنيعة، وأن نسل سيوفنا ونضحّي بنفوسنا وأموالنا في هذا السبيل، وبفضل الله الرؤوف فتح الله البلاد واستقرّ فيها الأمن.

ومنذ قيامنا بهذا الأمر قرّرنا العمل بما يقرّره العالم الاسلامي _ وأهل الحجاز ركن من أركان هذا العالم _ إزاء هذه البلاد المقدّسة، ودعونا عموم المسلمين مراراً لتأسيس المجمع الاسلامي وتحديد المصلحة المستقبليه لهذه البلاد، ثم دعونا عموم الناس وخواصهم وبعثنا بتاريخ 10 ربيع الثاني 1344ه.ق الرسائل للحكومات والشعوب الاسلامية _ هذه الرسائل منشورة في صحف وجرائد العالم _ ومضي شهران ولم يبلغنا جواب من أحد ما عدا جماعة الخلافة في الهند حيث ابدت استعدادها للقيام بما يؤدي إلي رفاه الحجاج فبارك الله فيها.

و حيث انتص_رت القضيّة في الحجاز، وطلب أبناء الحجاز بصورة فردية وجماعية تأسيس حكومة، لم نجد بُدّاً من قبول هذه الطلبات المكرّرة. وبما أن العالم الاسلامي لم يتخذ موقفا في هذا الخصوص وترك الأمر لكل بلده أن تدير

ص:56

شؤونها بنفسها فإننا لانريد إلّا الاصلاح قدر وسعنا {وَ ما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ(1) }.(2)

عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود

بتاريخ 22 جمادي الثانية 1344

إعلان الدولة السعودية

بعد تأسيس الدولة السعودية بصورة رسمية بتاريخ 24 جمادي الثاني 1344ه . ق، أصدرت بياناً جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

إعلان المملكة للدول الصديقة

بفضل الله وعنايته اتفقت كلمة أهل الحجاز علي أن نكون ملوكاً في الحجاز، وبايعونا علي أساس الكتاب وسنّة نبيّه9 والخلفاء الراشدين لنؤسس حكومة ملكية وراثية تتولى ادارة شؤون الحجاز، ونحن قبلنا هذه البيعة بعد الرجاء بالله والتوكل عليه وطلبنا منه تبارك وتعالي العون وأصبح لقبنا «جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها» وسنبذل غاية جهدنا لأمن واستقرار ورفاه وسعادة أهالي هذا البلد وعموم الحجاج والزائرين، وننجز عن قريب ما يبتغيه العالم الإسلامي ليفرحوا بوضعية الحجاز ونسأل الله أن يعيننا في أداء هذه المهمة.

وإنّه ولي التوفيق

ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها


1- هود: 88.
2- راجع، تاريخ روابط خارجي إيران وعربستان سعودي، صص 55 و56.

ص:57

منع السفر إلى الحجاز

قام الملك عبدالعزيز بهذا المنع ليضع البلدان الإسلاميّة أمام الأمر الواقع ويجبرهم علي التواصل مع الدولة السعودية، ولكن علي الرغم من هذا المنع فإنّ الأخبار والتقارير الواصلة من الحجاز وقلق مختلف البلدان دفعت مفتي مصر إلي منع المسلمين من الذهاب إلي مكّة، كما أنّ دولة انجلترا أيضاً لم تسمح لمسلمي الهند من الذهاب إلي الحجّ، وحكومة إيران أيضاً أعلنت في جلسة 11 اسفند 1304ه. ش بما يلي:

«... نحيط عامّة الناس علماً بأنّ الحكومة تعيش حالة القلق إزاء أمن وراحة الحجّاج، وتوصي الامتناع من الذهاب إلي الحجّ في هذا العام».(1)

بيان الحكومة الإيرانية

أصدرت حكومة إيران بتاريخ 1/4/1305ه . ش بياناً رسميّاً يدين بص_راحة ممارسات الحكومة السعودية في تدميرها للآثار الإسلاميّة، وهدمها لقبور أئمّة البقيع، واستنكارها لأعمال الوهّابيّة. وهذا نصّ البيان:

إعلان إلى الشعب الإيراني وعموم المسلمين

إنّ الانتهاكات والاعتداءات التي ارتكبها الوهّابيّة بحقّ الدين وعقائد المسلمين قبل فترة، وهتكهم لحرمة الحرمين الش_ريفين التي يقصدها كافّة المسلمين لعبادة ربّهم، أقلقت عامّة المسلمين، وتجاسرهم علي البقاع المقدّسة لأئمّة الدين أفجع قاطبة المؤمنين وأدخل في قلوبهم الحزن والأسي، وهذا ممّا لا يخفي علي أحد من أبناء بلدنا.


1- اسناد روابط إيران وعربستان، ص 66.

ص:58

والحكومة إلايرانية من بداية حصول هذه الاعتداءات أعلنت دائماً استياءها وسخطها الشديدين إزاء هذه الأفعال الشنيعة والمخالفة للأدب والشؤون الدينية، والمناقضة للاُسس الحضاريّة، حتّي أبدي الملك عبدالعزيز بن سعود رئيس هذه الطائفة استعداده ليقف بوجه هذه الانتهاكات والاعتداءات الص_ريحة لعقائد وشعائر المسلمين.

ولكن علي خلاف المتوقّع، فإنّ ما حصل مؤخّراً ينافي الوعود التي أعطاها، وهذا ما جرح مشاعر المسلمين وأدخل في قلوبهم الحزن والأسي، وأدي أن ترفض حكومة إيران دعوة ابن سعود للمشاركة في المجمع العام في الحجاز.

ولا يخفي لزوم تعظيم الأماكن المقدّسة، والمؤمنون كافّة يعتقدون بأنّ تلك البقاع الشريفة التي هي مهبط الوحي ومنبع الفيض السماوي من الشعائر الإسلاميّة التي يجب تعظيمها، ولا سيما في هذه الفترة الزمنيّة التي ينادي الجميع باحترام عقائد الآخرين، وشعائرهم الدينيّة، وجميع الاُمم المتحض_ّرة في العالم تسعي لاحترام معتقدات المذاهب الاُخري، وقد بطل منهج التعدّي والهجوم علي الشعائر الدينيّة لسائر الاُمم والطوائف.

ولا شكّ فإنّ حكومة إيران وشعبها لا يسعها التزام الصمت، ولا تطيق فسح المجال لفرقة صغيرة لا تُعدّ بالنسبة إلي عامّة المسلمين إلّا أقل القليل أن تفرض عقائدها علي العالم الإسلامي، وفي الحقيقة ليس هذا وقت الصبر أو التحمّل، ففي الوقت الذي تحترم جميع الاُمم الحيّة آثار وقبور حكمائها وعظمائها وشعرائها ومفكّريها ومبدعيها وإن كانوا من أتباع الاُمم الاُخري، ولا يسمحون للعرق الوطني أو القومي أو العنص_ري أن يؤثّر في احترامهم

ص:59

هذا، فإنّنا نجد طائفة واحدة فقط تخالف الجميع وتصرّ علي عقيدتها المبتنية علي لزوم تدمير وهدم آثار أئمّة الهدي وأولياء الله، الذين يقدّسهم المؤمنون ويوالونهم بكلّ وجودهم.

وحكومة إيران تدين هذه الأفعال الشنيعة والأعمال البربريّة، وتستنكر هذه التصرّفات القبيحة، وتعلن هذه الحكومة في نفس الوقت إلي قاطبة مسلمي العالم بأنّ_ها انطلاقاً من ضرورة وحدة العقيدة الإسلاميّة تتّفق معهم في قيامها للوقوف بوجه هذه الممارسات العدوانية في نطاق قدراتها الممكنة، وبما أنّ الحرمين الش_ريفين في الواقع يتعلّقان بجميع العالم الإسلامي، وحيث إن هذين الحرمين ليسا لطائفة من المسلمين دون اُخري، فلهذا لا يحقّ لأحد أن يري اختصاص هذه البقاع المقدّسة لنفسه، وأن يتصرّف بها كيفما يشاء، وأن يفرض عقائده علي الآخرين، بل هذه البقاع المقدّسة هي لجميع المسلمين، وهي مركز معنوية الإسلام.

لهذا نطلب من جميع المسلمين أن يجتمعوا في مجمع عام للاُمّة الإسلاميّة، وأن يتكفّلوا مقدّرات الحرمين الش_ريفين، وأن يضعوا قوانين وأنظمة لها ليتمكّن جميع المسلمين من العمل وفق عقائدهم المختصّة بحريّة كاملة في هذه البقاع، وأن لا يقيّدهم أحد أو يمنعهم من البركات المعنوية والفيض السماوي لهذه الأماكن المقدّسة، ولا سيما مكّة المعظّمة والمدينة الطيّبة، فهذه البقاع منبع لتلقّي فيض السعادة الإلهيّة وليس الانتفاع المعنوي منها لبعض المسلمين دون البعض الآخر.

نأمل من الاُمم والبلدان الإسلاميّة أن تستجيب لهذا الطلب الديني

ص:60

والوطني وتلبّي هذا النداء، وأن لا ترضي إلحاق الض_رر أكثر من هذا بمقدّساتها الوطنيّة وشعائرها الدينية.(1)

الأوّل من شهر تير 1305ه . ش

حسين بن يوسف رئيس الوزراء

بعد صدور هذا البيان، لم تنطلق _ مع الأسف _ من العالم الإسلامي أية حركة جادّة لإجبار السعوديين علي قبول إعادة بناء القبور وحفظ الآثار المدمَّرة، ولهذا ازداد ضغط الحكومة السعودية علي الشيعة بحيث هجم مدير شرطة السعودية مع مجموعة من الجنود في ليلة السابع من شهر محرّم عام 1347ه على مجلس عزاء الشيعة الإيرانييّن، وقاموا بنهب ممتلكاتهم، واعتقلوا أحد السادة من الحجّاج يُدعي الحاجّ السيّد محمّد باقر، وأخذوه إلي السجن بإهانة واستخفاف وشدّة، وبدأ التشدّد ضدّ الحجاج الإيرانييّن يزداد يوماً بعد آخر.

و قد جاء في تقرير قنصلية إيران في جدّة بتاريخ 28 شهر محرّم عام 1348:

«إنّ شرطة حكومة الحجاز في المدينة المنورّة ومكّة المكّرمة تعنّتوا مع الحجّاج الإيرانييّن، وتعاملوا معهم بعنف، ولم يسمحوا لهم بأن يزوروا النبيّ وأئمّة البقيع بحرّية، والوعود التي أعطتها الحكومة لم تنفّذها أبداً، بل كان الواقع خلاف ذلك وازداد سوءً، وقد واجه الحجّاج الإيرانييّن، الكثير من التشدّد، وقد احتجزت الش_رطة ممتلكات مَن مات من الحجّاج الإيرانييّن في مكّة المكرّمة، ولم يسلّموها إلي القنصليّة... ولهذا نجد من الأفضل لتأمين


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 69.

ص:61

الحقوق والشؤون المذهبيّة لرعايا دولة إيران في الحجاز أن تقوم حكومة إيران _ كالسنوات السابقة بل أشدّ _ بإصدار الأوامر المؤكّدة؛ لئلّا يذهب أحد من إيران إلي الحجاز إلي حين حلّ المسائل المختلف فيها بصورة كاملة، وأن تراعى جميع حقوق الإيرانييّن وشؤونهم المذهبيّة في الحجاز وتتبلور في إطار قاعدة صحيحة. وقد كتبت هذا التقرير لاُحيطكم علماً بمجريات الاُمور.

الوكيل العام في قنصليّة دولة إيران العليا

محمّدعليّ اللاري

بدء المؤامرة

ورد وفق تقرير كتبه «حسين بير نظر»(1) من سفارة إيران في مصر بأنّ دولة إيران إذا امتنعت من الذهاب إلي الحجّ بمّدة عام أو عامين، فإنّ حكومة الحجاز ستوافق علي شروط إيران المقترحة. ومن هذا المنطلق سترتفع المضايقات ضدّ الزوّار الإيرانييّن كما ستتمكّن إيران من أخذ امتياز في خصوص إعادة بناء القبور المهدّمة.

لكن مع الأسف لم تتمّ الموافقة علي هذا الأمر.

و في شهر خرداد عام 1308ه . ش بدأت أولى الجلسات الرسميّة الدبلماسيّة بين إيران وحكومة عبدالعزيز، وفي شهر شهريور من نفس السنة تمّ توقيع معاهدة الصداقة بين إيران والحجاز، وفي شهر فروردين عام 1309ه . ش بدأ «حبيب الله هويدا» عمله ووصل إلى جدّة كممثّل لإيران والقائم بالأعمال الإيراني في جدّه.


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 73. بالفارسيّة

ص:62

و كان تأسيس سفارة إيران في السعودية تقوية لحكومة عبدالعزيز، وكان هذا الأمر مهمّاً جداً لعبدالعزيز بحيث كتب «هويدا» بعد لقائه معه نقلاً عن قول وكيل وزارة الخارجية:

«... وذكر أنّه لم يُرَ صاحب الجلالة الملك مس_روراً إلي هذا الحدّ، وقد أبدي فخامة الملك غاية فرحه اليوم بصورة علنيّة؛ نتيجة لقائكم ووصول رسالة جلالة ملك ايران...».(1)

مهمّة حبيب الله هويدا

كان لحبيب الله هويدا دور مهمّ في التقريب بين إيران والحجاز، ولهذا أمرت دولة الحجاز مسؤولي وزارة الخارجية أن يحرزوا دائماً رضاه، وأن لا يقوموا بأمر يؤدّي إلي إزعاجه أو استيائه، وأن ينجزوا جميع مطالبه ومبتغياته بصورة فوريّة.(2)

والجدير بالذكر أنّ حبيب الله هويدا كان أحد الشخصين اللَّذين بعثتهما حكومة إيران لدراسة الوضع في الحجاز علي أثر تدمير الوهّابيّة للآثار الإسلاميّة وهدمهم لقبور البقيع، وكان هذا الشخص من جهة اُخري _ كما تثبت الوثائق الموجودة _ من أتباع الفرقة البهائيّة، وكان من البهائييّن المعروفين.(3)


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 84.
2- المصدر نفسه.
3- يعدّ جدّ هويدا الميرزا رضا قنّاد من البهائييّن المتعصّبين، ومن الأنصار المقرّبين لعبّاس أفندي، وكانت صلته بمرشد البهائيّة قريبة جدّاً بحيث رافقه في سفره إلي فلسطين، وذهب معه إلي «عكّا»، وأصبح الخادم الخاص لعبّاس أفندي. ويري البروفسور براون بأنّ الميرزا رضا القنّاد محمّدرضا جدّ هويدا أحد أمناء أسرار مرشد البهائييّن. و أمّا حَبيب الله عين الملك فإنّه تزوج فتاة تُدعي «أفسر الملوك» وهي بنت «محمّد حسين خان سردار» الذي كان من إرهابيّ البهائييّن المعروفين، وكان له دور في الاضطرابات التي أثارها البهائيّون في العهد القاجاري في عمدة من مدن إيرانة. كان ل_ «حبيب الله» عين الملك ابنان: أحدهما يدعي أمير عبّاس، والآخر يدعي فريدون هويدا أمير عبّاس هويدا: 14 و15.

ص:63

وهذا ما يكشف بأنّ ممثل إيران مع الأسف كان له الدور الأساسي في

ص:64

غضّ الطرف عن هذه المسألة المهمّة، وما يسند هذا الأمر أنّ الملك عبدالعزيز قال لهويدا:

«أنت منّا، وأنت ايضاً لا تري نفسك كسائر الممثّلين الأجانب، أيّ وقت شئت فانّني مستعدّ لزيارتك، ولا يتطلّب هذا الأمر أيّ استئذان أو أخذ وقت مسبق، سواء كنت في مكّة أو أيّ مكان، فأنا مستعدّ دائماً للقائك متي ما شئت...».(1)

وكتبت جريدة الوطن (طبعة بغداد) بتاريخ 20 ربيع الأوّل 1348ه . ق في خصوص اعتراف إيران بحكومة الحجاز حول ممثّل إيران حبيب الله خان عين الملك المعروف بهويدا:

«... المشار إليه يعي هذه القضايا بشكل كامل، كما أنّه يجيد لغة المملكة، وهو مورد ثقة الملك عبدالعزيز ورجال حكومة الحجاز، وهو بشخصه محترم عندهم، ولا شكّ فإنّ تعيينه في هذا المنصب يؤدّي إلي حلّه للمسائل حسب ما يهواه».(2)

و عمل هويدا حتّي عام 1353ه . ق ممثّلاً لإيران في الحجاز، وهو عندما كانت مهمّته في المدينة الإطّلاع علي مدي تدمير الآثار الإسلاميّة، فإنّه حاول أن يقلّل من شأن هذه الواقعة المهمّة، وأن يبرّر عمل الوهّابيّة، وقد جاء في تقريره:

«صعدنا فوق المنارة المرتبطة بالقبّة المطهرّة، وارتقينا مائة وثلاثين دَرْجة من السلّم، وزرنا القبّة من هناك (لأنّ الصعود فوق القبّة أمر غير ممكن)،


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 88.
2- المصدر نفسه، ص 75.

ص:65

فرأينا بأنّ القبّة مصابة بخمس رصاصات فقط، وقد تركت الرصاصات ثقوباً صغيره عليها، ولا يوجد أثر للهدم والتدمير! ما يعني أنه:

أوّلاً: لا يمكن القول بصورة قاطعة بأنّ هذه الرصاصات كانت من جهة الوهّابييّن!

ثانياً: لو سلمنا بأنّها كانت من طرف الوهّابييّن، ولكن لا يخفي بأنّها لم تكن عمديّة! بل أصابت الرصاصات القبّة أثناء الرمي العشوائي بين الطرفين! ودليل صحّة هذه الفرضيّة بأنّ قبّة المرقد المطهرّ عظيمة جدّاً، وكان الوهّابيّة وراء باب قلعة المدينة، وإذا كانت نيّتهم استهداف القبّة بالرصاص، فكان أقلّ تقدير الرصاص الذي يصيب القبّة ألفين أو ثلاث آلاف رصاصة، في حين لم تصَب القبّة إلاّ بخمس رصاصات، كما وجدنا أيضاً آثار أربع أو خمس رصاصات علي قبّة أهل البيت، وخادم الحضرة المقدّسة أيضاً أعطاني ثلاث أو أربع رصاصات، وقال بأنّه وجدها في سطح الحرم، وهو يظنّ بأنّها من الرصاصات التي أصابت القبّة، وسأقدّم هذه الرصاصات كي تحفظ في متحف وزارة المعارف...».(1)

النصّ الكامل لتقرير هويدا

للمزيد من إلمام القرّاء، نقدّم النصّ الكامل لتقرير هويدا، وهو:

تاريخ الوثيقة: 11 دي 1304ه .ش

المرسل: حبيب الله هويدا

المستلم: وزارة الخارجية

الموضوع: تقرير حول وقائع الحجاز

الرقم: 211


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 50.

ص:66

إلي المقام الشامخ لوزير الخارجية الجليلة دامت شوكته:

حسب الأوامر العديدة التي بلغتني عبر البرقيّات من الوزارة الجليلة، انطلقتُ في يوم 15 مهر 1304ه، الموافق 7 اكتوبر 1925 من الشام إلي مص_ر، ومن هناك توجّهت بمعيّة السيّد غفّارخان وزير مص_ر المفوّض، وانطلقنا في يوم 19 مهر بباخرة معالي الوزير الخديوي باتّجاه جدّة ودخلناها في يوم 24 مهر، وفي يوم 29 ذهبنا إلي مكة بسيّارات سلطان نجد.

وكان ابن سعود مستقرّاً في منطقة بين طريق جدّة ومكّة تُدعي «بحرة»، وكان ناصباً للعديد من الخيم لاستقبال ممثّل الانجليز «مستر كلايتون» وعقد معاهدة معه، ولهذا ذهبنا للقائه إلي هذه المنطقة، وبعد تناول طعام الغداء وتناول الشاي انطلقنا في الساعة الرابعة عص_راً، وتوجّهنا إلي مكّة وكنّا محرمين، وكان معنا مضيّف خاصّ وأربعة أشخاص من الحرس الخاصّين، وبعد الدخول إلي مكّه المعظّمة وأداء التكاليف الدينيّة (العمرة)، ذهبنا إلي البيت الذي كان معدّاً لنا من قبل، وفي اليوم الثاني ذهبنا لمشاهدة المقامات والقبور المهدومة الواقعة في مقبرة تقع في طرف من أطراف المدينة، وفي سفح جبل.

فوجدنا بأنّ الوهّابيّة قد هدموا قبر السيّدة خديجة والسيّدة آمنة(1) ، وقبر عبدالرحمن ابن أبي بكر، وقبور بني هاشم، ومسجد الجنّ، وقبر عبدالله بن الزبير، وقبور الشهداء، وقبور سائر الناس في تلك المقبرة.

ووجدنا موضع ولادة النبيّ9 وبيت السيّدة خديجة الذي هو مكان ولادة السيّدة الصديقة الطاهرة الزهراء صلوات الله عليها مهدوماً ومسوّى بالأرض.


1- قبر امّ النبي9 في مكان يُسمي الأبواء، بين مكة والمدينة.

ص:67

وكانت الأبنية والقباب فوق قبر خديجة وآمنة محوّلة إلي أنقاض، وكان قبر السيّدة خديجة منبوشاً، وواضحاً بأنّه مملوء مرّة اُخري بالتراب والطين، وتمّ هدم بيت متولّي قبر خديجة ونهبت جميع ممتلكاته، وكان بيت المتولّي في نفس المقبرة وجنب قبر السيّدة آمنة وخديجة.

وأمّا في خصوص المعاهدات وتفصيل اللقاء والحوارات التي كانت بيننا وبين السلطان ابن سعود، فقد قدّم تقريرها لكم صاحب السماحة السعادة الوزير غفّارخان، فلا أُكرر(1) ؛ لأنّ مهمّتي كانت مقتص_رة فقط علي المدينة المنوّرة!

وأنا كنت في الذهاب والإياب وفي جميع المواقع وجميع اللقاءات مع صاحب الجلالة الملك عليّ والسلطان ابن سعود، ومع سيادة الوزير المفوّض، وكانت مهمّتي الترجمة، وأكتفي بالقول بأنّ سيادة غفّارخان في الواقع من رجال السياسة المحنّكين والأذكياء، وهو صاحب شخصيّة متينة وذات وقار، وله اُفق واسع في التفكير، وقد أدّي هذه المهمّة بمتانة وذكاء وبأفضل صورة ممكنة.

وأنا لا اُشير في هذا المقام إلي اللقاءات والحوارات التي كانت بين الملك عليّ والسلطان ابن سعود، وبحضور الوزير المفوّض؛ خشية الإفراط أو التفريط في التعبير، وأترك الأمر لمعالي الوزير وتقديره الذي قدّمه إليكم، وساُبيّن فيما يلي في خصوص المهمّة الملقاة على عاتقي في المدينة المنورّة:

عندما كنّا في مكّة المعظّمة قال لي سلطان نجد بأنّه يتكّفل إيصالي فقط إلي منطقة «العيون» مقرّ جنود الوهّابييّن، وهي منطقة تبعد عن المدينة المنورّة


1- إنّ سبب اعترافه بتخريب قبور مكة هو التقرير الذي أرسله غفارخان إلي طهران وهو يعلم بأنّه إذا لم يكتب هذا التقرير فستطلع طهران علي الحقائق من خلال تقرير غفارخان.

ص:68

بساعتين، وقال لي بأنّه لا يتكفّل ذهابي إلي المدينة من تلك المنطقة، فاعتراني سوء الظنّ، وعدت مع معالي الوزير المفوّض إلي جدّة، وطرحت الأمر علي الملك عليّ، فقال لي الملك عليّ المسكين: أنا مستعدّ لما تأمرون، ولكنّ جنودنا كلّهم داخل البلدة، وليس لنا جنود خارج البلدة، ومن منطقة العيون إلي المدينة كلّها بساتين وكلّها بيد الوهّابيّة، وأخشي أن يقوم هؤلاء باغتيالكم لتشويه سمعتنا؛ ولهذا فالأصلح أن يوصلكم السلطان مع حرسه إلي مركز البرقيّات خارج البلدة، وأن يستلمكم حرسنا هناك، وعند العودة أيضاً نسلّمكم لحرس السلطان في تلك المنطقة.

ولهذا كتبت هذا الأمر مفصّلاً إلي ابن سعود، ووصل الجواب في اليوم التالي، ووافق ابن سعود، وأرسل سيّارة، وكان هذا الأمر في اليوم الذي ركب الوزير المفوّض في الباخرة وذهب إلي مص_ر، وأنا أيضاً ركبت السيّارة وذهبت إلي «بحرة»، وتوقّفنا ليلة واحدة في «بحرة»، وكان لدينا لقاءان مع عبدالعزيز، وقد تعامل معنا عبدالعزيز ببالغ المودّة والاحترام، وأبدي في كلّ لقاء رغبته الشديدة للتقرّب من الحكومة الإيرانيّة، وكان يقول: إيران جارة لنا، ويعيش في بلدنا حوالي ثلاثين ألف من الشيعة في نجد والأحساء، وبإمكانكم أن تسألوهم عن معاملتنا لهم، وأكثر ما يقال عنّا مجرّد تهم وافتراءات، وستذهبون إن شاء الله إلي المدينة وترون بأعينكم كذب ما يفتري علينا! وأنا أقول لكم بص_راحة، وأنتم أيضاً اكتبوا إلي حكومتكم العليا بأنّني ساُحافظ علي الحرمين الش_ريفين وأحرسهما من كلّ سوء، واُضحّي من أجل حمايتهما بنفس_ي ومالي وأولادي، وماتمّ تدميره في مكّة فإنّه كان قبل تسلّمي لزمام السلطة.

نعم، الوهّابيّة لا تجوّز البناء علي القبور، أو صنع القباب عليها، وتعتقد

ص:69

بأنّ هذا الأمر بدعة، وتري حديث «خير القبور الدوارس» حديثاً معتبراً، ولكننّي بعد استلامي لزمام الحكم منعت من هدم القبور، وقررّت حاليّاً بإصرار وإلحاح أن تبعث الدول الإسلاميّة والجمعيّات المسلمة ممثّليها إلي الحجاز، فإذا قرّروا البناء علي القبور فلا مانع لديّ من هذا الأمر، وسأساعدهم في هذا المجال، والأمر سهل، ولو أدّي الأمر إلي خروجي من الحجاز فإنّني سأخرج منها فوراً.

وقبل حركتي نحو المدينة المنورة وبعد العودة أيضاً كرّر السلطان كلامه هذا، وبعد عودتي من المدينة ناشدني أن أقوم بعمليّة التقارب بينه وبين حكومة إيران، وطلب منّي أن تكون هناك مراسلة بيني وبينه.

و علي كلّ حال، اختار ابن سعود خمسة أشخاص من حرسه المسلّح الخاصّ وجاؤوا بثلاث جمال رائعة، وعيّنوا لي خادماً، وكنت معزّزاً ومكرّماً، ذهاباً وإياباً، واستعداداً للحركة من بحرة إلي مكّة بقيت أربعة أيّام هناك، ثمّ بُعث الحرس المسلّح إلي «رابغ» جنب البحر، وأنا أيضاً ذهبت بالسيّارة مع مستشاري الخاصّ إلي «رابغ».

والمسافة من مكّة إلي رابغ بالجمال خمسة منازل، وبالسيّارة تسع ساعات، وبقيت في رابغ عدّة أيّام منتظراً للحرس، وعاد مستشار السلطان الخاص إلي مكّة، وفي هذه الفترة مرضت بشدّة وا ُصبت بمرض «الديزنترى»، وتأخّر سفري لمدّة عش_رة أيّام، ولم يكن هناك علاج ولا دواء، ولا طبيب ولا حبيب.

و«رابغ» عبارة عن قرية كبيرة، وهي تفتقر لجميع المستلزمات، وليس فيها سوي الخبز والرز واللحم، وليس فيها أثر من الخضروات، وماؤها مرّ وغير هنيء، وهو يؤخذ من البئر، وعموماً توسّلت بالنبيّ وطلبت منه الشفاء،

ص:70

فعادت لي العافية ببركة الدعاء والمناجاة.

وفي هذا الأثناء وصل ابن السلطان _ الذي يريد الذهاب إلي المدينة _ وصل إلي رابغ ومعه خمسمائة شخص علي الجمال من جنود الوهّابيّة، وأنا أيضاً علي الرغم من الضعف الذي كنت أعاني منه، وعلي الرغم من فترة النقاهة التي كنت فيها التحقت بهم مع حارس خاصّ، ووصلنا في اليوم السادس إلي «العيون»، ولا أجرأ أن اُخبركم ما عانيت في هذه الأيّام الستّة وأنا علي الجمل.

وعلي كلّ حال بعد الاستراحة لمدّة يومين، كتبت رسالة إلي أمير المدينة وحاكم الجند في المدينة، ووضعت وصايا الملك عليّ في جوف الرسالة، وبعثتها بالبريد الخاص إلى المدينة، وبلغني الجواب في اليوم التالي، وكان مضمون الجواب أنّهم ينتظروني ببالغ السرور والاعتزاز، ولهذا انطلقت من جند السلطان ومعي خمسة من الخيّالة وعش_رة مشاة، وفي المنطقة المحدّدة استلمني شخص مستضيف ومعه عربة وستّة أو سبعة خيّالة مسلّحين، وأخذ رئيس، خيّالة السلطان ورقة خطّية مني بأنّه سلّمني إيّاهم سالماً.

وتوجّهنا بعدها إلي المدينة المنوّرة، وفي خارج بوابّة المدينة استقبلني خمسمائة جندي وأصحاب المناصب العسكريّة والحكوميّة وأمير المدينة الش_ريف أحمد بن منصور، وجمع غفير من أهالي المدينة، كما في يوم عودتي أيضاً شايعني هؤلاء جميعاً في مراسم التوديع.

بعد الاستقرار في المدينة والغسل قصدت زيارة الحرم المقدّس مرقد خاتم الأنبياء _ عليه آلاف التحيّة والثناء _ واعترتني هناك حالة معنويّة لا توصف، وبمجرّد تقبيلي للعتبة زالت أتعابي كلّها، وشكرت الله تعالي أن وفّقني لزيارة هذه العتبة المطهّرة، وأسأل الله أن يرزق جلالة الملك وجميع الأصدقاء ذلك!

ص:71

وبقيت ثلاثة أيّام في المدينة، وفي اليوم الثاني ذهبت لرؤية القبّة المطهّرة وكنت مع عزّت باشا حاكم الجند في المدينة، والمضيّف السيّد عمران التاجر الشيعي العراقي، ومتولّي الحرم المطهّر، وبعد أداء الزيارة وتقبيل العتبة، قدّم «أغا باشي» يعني خادم الحرم ملابس خاصّة بالخدَمة، فارتديناها وارتقينا منارة القبّة.

«صعدنا فوق المنارة المرتبطة بالقبّة المطهرة، وارتقينا مائة وثلاثين دَرْجة من السلّم، ونظرنا من أعلي المنارة إلي القبّة (لأنّ الصعود فوق القبّة أمر غير ممكن)، فرأينا بأنّ القبّة مصابة فقط بخمس رصاصات، وقد تركت الرصاصات ثقوباً صغيره عليها، ولا يوجد أثر للهدم والتدمير! وأوّلاً لايمكن القول بصورة قاطعة بأنّ هذه الرصاصات كانت من جهة الوهابيين! ثانياً: لو سلمنا بأنّها كانت من طرف الوهابيين، ولكن لا يخفي بأنّها لم تكن عمدية! بل اصابت الرصاصات القبّة اثناء الرمي بين الطرفين علي نحو الخطأ! ودليل صحة هذه الفرضية بأنّ قبّة المرقد المطهر عظيمة جداً، وكان الوهابية وراء باب قلعة المدينة، وإذا كانت نيّتهم استهداف القبّة بالرصاص، فكان الرصاص الذي يصيب القبّة على أقلّ تقدير ألفين أو ثلاث آلاف رصاصة، في حين لم تصب القبّة إلاّ بخمس رصاصات، كما وجدنا أيضاً آثار أربع أو خمس رصاصات علي قبّة أهل البيت، وخادم الحضرة المقدّسة ايضاً أعطاني ثلاث _ أربع رصاصات وقال بأنّه وجدها في سطح الحرم، وهو يظن بأنّها من الرصاصات التي أصابت القبّة، وسأقدم هذه الرصاصات ليتم المحافظة عليها في متحف وزارة المعارف...».(1)


1- اسناد روابط ايران و عربستان سعودي، ص 50.

ص:72

وأخيراً، في اليوم الرابع وحسب طلبي قصدنا جند السلطان، وكان يحرسني ما يقارب أربعين شخصاً مشاة جاؤوا برغبتهم، وشيّعوني وأنا أيضاً كان معي ما يقارب عشرين حارساً مسلّحاً بين راكب وماشٍ، وكان معنا جند الملك عليّ وشخصين من أصحاب المناصب، أحدهم ضابط، والآخر السيّد عمران التاجر، شيّعوني إلي خارج المدينة، وسلّموني إلي حرس ابن سعود وأخذوا منّي ورقة بخطّي وخاتمي، وعادوا.

وقد زرت أيضاً مقام السيّد حمزة مع خيّالة السلطان، وكان المقام يقع في طريقنا، وكان هذا البناء وقبّة مرقد السيّد حمزة علي الرغم من وقوعه بأيدي الوهّابيّة لعدّة أشهر، ولكنّه لم يلحق به أيّ ضرر، وكان ضريح القبر المصنوع من حديد والغطاء الذي عليه موجود في مكانه، وكان الملفت للنظر فقط كما يبدو سلب بعض متعلّقات المرقد من قبيل الستائر والسجّاد والمصابيح، وحكي شخص واحد من أهل المدينة بأنّ قبر أحد الصحابة يُدعي عقيل، وكان هذا القبر يقع جنب مرقد السيّد حمزة، قد تمّ هدمه، وبعد أن سمع الوهّابيّة بمجيئي قاموا بإعادة بنائه، ولكن لم يثبت مدي صحّة هذا القول وسقمه.

علي كلّ حال، فإنّ مقام السيّد حمزة لم يهدم أبداً، وأمّا سلب متعلّقات المقام فلا أظنّه أثاثاً يُعتدّ به، لأننّي عندما زرت في المدينة المنوّرة مرقد السيّد عبدالله بن عبدالمطّلب والد النبيّ لم أجد فيه من الأثاث سوي سجّاد بالٍ، وحصير تالف ووسخ للغاية، ولهذا قلت بصراحة لمن يرافقني: وضعيّة المقام مؤلمة جدّاً، لم يهتمّ أحد بمرقد والد النبيّ! وقد أهملوه بحيث لم يتمّ الاهتمام حتّي بنظافته.

فاذا كان مرقد والد النبيّ بتلك الوضعيّة فلا أظنّ مرقد عمّ النبيّ أفضل

ص:73

منه، وإذا سلب الوهّابيّة أثاث المقام، فهو أثاث لا قيمة له، وما كسبوا بعملهم هذا إلّا تشويه سمعتهم، وهذه هي حقيقة ما شاهدته بعيني وقد بيّنته كما رأيته.

وبعد الزيارة عدنا إلي مخيّم السلطان، ومكثنا هناك مدّة يومين، ثمّ توجّهنا بمعيّة خمسة مسلّحين بالبنادق، علي الجمال نحو مكّة، وسرنا مسيراً مستمرّاً غير منقطع ليلاً ونهاراً، كنّا نسر يومياً بصورة متواصلة مدّة أربع عشرة ساعة، ووصلنا في اليوم الثامن عص_راً إلي مكّة ونحن منهكون ومتعبون جدّاً، وا ُصبت بالحمّي نتيجة تناولي للماء الملوّث في الطريق، وآثار المرض لا زال في جسدي.

وعند العودة اشتريت هودجاً، وكنت أتصوّر بأنّ السفر فيها أسهل وأكثر راحة، ولكن مع الأسف اضطررت بعد ثلاثة أيّام أن أسافر من دونه؛ لأنّ ما يعانيه المسافر في الهودج مع لحاظ حركة الجمل أكثر مما يعانيه المسافر بدونه.

وبقيت ليلتين ونهاراً واحد في مكّة، ثمّ ودّعت ابن سعود، و عدت بالسيّارة إلي جدّة، وبقيت عدّة أيّام في جدّه منتظراً للباخرة، والتقيت بالملك عليّ عدّة مرّات، ثمّ انطلقت نحو مصر، ومنها إلي الشام.

وسأكتب ما يخصّ لقائي الأخير مع ابن سعود في تقرير علي حدة، كما سأكتب ما جري في لقائي مع الملك عليّ المسكين والمغلوب علي أمره _ الذي أجبروه علي الاستقالة وترك الحجاز _ في تقرير خاصّ؛ لأن هدفي من هذا التقرير فقط بيان ما يرتبط في خصوص المدينة المنوّرة.

والجدير بالذكر، وأقولها باستحياء بأنّني واجهت في هذا السفر مصائب شيبتني بمقدار عشر سنوات، ومجمل ما نلته من هذا السفر هو الارهاق

ص:74

والضعف البدني وإنهيار القوى الجسديّة، ويشهد الله _ وأنا أقولها من أعماق قلبي _ بأنّ المعنويّة التي حصلت عليها من زيارة الرسول9 هي التي أرجعتني سالماً إلي الشام، وإلّا كنت من الهالكين في الطريق بين المدينة ومكّة، وأنا كنت آيساً من العودة، ولكن لله الحمد علي كلّ حال وأدام الله لكم أيّام الفخامة والعزّة.(1)

فداك حبيب الله هويدا

وحاول هويدا في تقرير آخر أيضاً أن يبرّئ ابن سعود من اتّهامه بهدم القبور، وكتب نقلاً عن قول ابن سعود:

«ما دعاني إلي الاستغراب موقف مسلمي العالم إزاء هدم عدّة قبور قام بتدميرها جماعة من البدو الجاهلين قبل استلامي لزمام الحكم، فثارت حميّة المسلمين وغيرتهم، وبادروا إلي لعني وتكفيري في الاجتماعات وعلي المنابر، وفي الجرائد، وأثاروا الناس ضدّي، وشوّهوا سمعتي...».(2)

رسالة عبدالعزيز إلى ملك إيران

قدّم الملك عبدالعزيز جزيل شكره وتقديره بصورة رسميّة إلي حبيب الله هويدا بعد انتهائه من مهمّته، وكتب رسالة إلي ملك إيران، وهذا نصّها :(3)

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود

ملك المملكة السعودية


1- اسناد روابط إيران وعربستان سعودي، ص 46.
2- المصدر نفسه، ص 54
3- لعدم إمكان الحصول علي أصل الوثيقة اضطررنا إلي إعادة ترجمتها الفارسية الى اللغة العربية.

ص:75

إلي حضرة صاحب الجلالة رضاشاه البهلوي مَلِك إيران

الأخ العزيز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلتني رسالة جلالتكم حاكية عن نقل السيد حبيب الله خان هويدا القنصل للممثلية الإيرانية في جدة من بلدنا.

وبهذه المناسبة أري من الواجب أن أبدي سروري بإنجاح مهمّة القنصل المذكور في تطوير العلاقات، والأواصر الحسنة بين البلدين؛ فقد كان لجهوده آثار إيجابية.

ومن هنا أغتنم الفرصة، وأتمني لكم الصحة ولشعبكم النجيب الرفاهية والسعادة.

حُرِرت هذه الرسالة في خمسة عشر من المحرم سنة الف وثلاثمأة وثلاث وخمسين هجرية قمرية في قصر مكة المعظمة.(1)

السعي لإعادة بناء القبور

بعد هيمنة الوهّابييّن علي السلطة، واستلامهم لزمام الحكم في الحجاز، وهدمهم لمرقد وقبّة أئمّة البقيع، وتدميرهم لسائر المراقد والأبنية التي كانت علي القبور، حاول شيعة العالم _ ولا سيما المراجع وعلماء الدين _ أن يتّخذوا إجراءات لإعادة بناء قبور البقيع.

وبذل مظفّر أعلم ممثّل حكومة إيران في جدّة عام 1330ه .ش بعض المساعي بتشجيع ودعم من علماء الشيعة، فكتب في تاريخ 21/9/1330 رسالة رقمها 402 وخطابها للجنة الحج الدائميّة قائلاً:


1- تاريخ ارسال الرسالة 15 محرم الحرام سنة 1353ه.ق.

ص:76

ذهبت إلي زيارة المدينة المنوّرة في يوم الأربعاء السادس من شهر آذر عام 1330ه .ش، واُقدّم نتيجة دراساتي كما يلي:

1 _ وضعيّة البقيع بعد هدم مرقد الأئمّة الأطهار تقشعرّ لها الأبدان، وأضحت قبور الأئمّة كسائر القبور، ولا فرق بينها وبين قبور عامّة الناس، وإذا تمكّنا من أخذ موافقة الحكومة السعودية لبناء جدار أو شبّاك حديدي حول قبور أئمّة الهدي؛ لتكون هذه القبور محصورة بهذه الجدران الأربعة، فإنّنا قد اتّخذنا خطوة كبيرة لحفظ الشعائر الإسلاميّة، ونأمل أن لا نتقاعس ولا نقصّ_ر في المواقع المقتضية عند الحوار مع الشخصيّات المؤثّرة في الحكومة.

وقد نتمكّن حاليّاً أن نحقّق هذا المقدار من الصيانة لهذه القبور التي تبلغ مساحة الساحة المرتبطة بها 120 متراً مربعاً، وأن نصنع مَظَلَّة في مقابل هذه المحوّطة مثل المَظلاّت المنصوبة بين الصفا والمروة.

2 _ بعث آية الله البروجردي مبعوثه السيّد محمّدتقي الطالقاني لانتداب ورعاية شؤون جماعة شيعة المدينة المعروفين باسم النخاولة، ويبلغ عددهم ما يقارب ستّة آلاف شخص، وهم من الشخصيّات الموثّرة وذات المكانة الاجتماعيّة الرفيعة في المدينة، وتمكّن السيّد الطالقاني أن يحرز مكانة جيدة عند هؤلاء، وأن يعمل بجدّية للقيام بمهمّته فيما بينهم، وفي هذه الأيّام تمكّنت من خلال لقاءاتي أن أجمعه مع الجهات الحكوميّة في المدينة، وطلبنا من الجميع أن لا يقصّروا في التعاون معه وإعانته في الموارد اللازمة.

وذهبنا ذات يوم مع الوزير المفوّض لمص_ر لزيارة السيّد الطالقاني في منطقة النخاولة، ووجدنا بأنّ بعض كبار شخصيّاتهم قد زيّنوا المكان بصورة جميلة لاستقبالنا، ورحّبوا بنا أحسن ترحيب، ووضعيّة هؤلاء حاليّاً في المدينة

ص:77

جيّدة جدّاً، وهم يعيشون بسلام وتهتمّ بهم الحكومة، والسيّد الطالقاني في الواقع من ناحية السلوك والتص_رّفات والأخلاق والوقار أفضل خيار لهذه المهمّة التي اختاره لها آية الله العظمي السيّد البروجردي.

الوزير المفوّض الملكي _ مظفّر أعلم

جواب رسالة مظفّر أعلم

في مقام الإجابة علي هذه الرسالة كتب فضل الله نبيل المعاون العام لوزارة الخارجية ورئيس لجنة الحجّ الدائميّة رسالة برقم 3134/67773 بتاريخ 20/11/1330 وخاطب فيها مظفّر أعلم بقوله:

عطفاً علي الرسالة رقم 402 الصادرة بتاريخ 21/9/1330 نحيطكم علماً بما يلي:

1 _ في خصوص الوضعيّة المؤسفة لقبور الأئمّة الأطهار في البقيع، حيث كنتم ممّن شاهد الوضعيّة عن قرب، فإنّها وضعيّة تحزّ في نفس جميع الشيعة، ونأمل أن تبذل المساعي بصورة جادّة للحوار مع الحكومة السعودية _ وفق اقتراحكم _ وأخذ الموافقة منهم لإخراج هذه القبور من الحالة التي عليها الآن.

2 _ أشرتم إلي السيّد محمّدتقي الطالقاني ونشاطاته لنشر معارف الإسلام الحنيف بين جماعة النخاولة في المدينة، وهذا الأمر شرف للإيرانييّن، وأبلغنا آية الله العظمى السيّد البروجردي حسبما تفضلّتم به في آخر الرسالة المذكورة، وبعثنا صورة من تلك الرسالة أيضاً بواسطة السفارة الملكية إلى السيّد الطالقاني لتشجيعه.

ونحيطكم أيضاً علماً بأنّ وصول الرسالة المرقمة 402 وما قمتم به من زيارة المدينة الطيبّة وقبور الأئمّة الأطهار في البقيع لفت انتباه جميع من يهمّهم

ص:78

الأمر وجميع أعضاء هيئة الحجّ الدائميّة، وأدّي إلي تمجيدهم وتحسينهم لما قمتم به.

المعاون العام لوزارة الخارجية

فضل الله نبيل

الرسالة الثانية لمظفّر أعلم

كتب مظفر أعلم إجابة للبرقيّة رقم 1782 إلي وزارة الخارجية:

جدّة، 27 اسفند 1330ه .ش

الملفّ السرّي، رقم 82

وزارة الخارجية

أقول إجابة علي البرقيّة رقم 1782:

لم أغفل قط عن موضوع البقيع؛ لأنّني أري أنّ هذه المسألة إضافة إلي كونها وظيفتي الإدارّية فأنّها وظيفتي الدينيّة، وأجد نفس_ي ملزماً ببذل غاية جهدي في خصوصها، وأنا دائماً أبحث عن الفرصة المناسبة لأطرح المسألة مع الجهات الحكوميّة المؤثرّة، وتناولت الأمر بعد الملك نفسه مع الأمير فيصل نائب سلطنة الحجاز ووزير الخارجية، والمباحثات التي اُجريت في هذا المجال في زمن سفارة السيّد دشتي في القاهرة مع الأمير فيصل، ولم تنته إلي نتيجة، فإنّني قمت بتجديدها، ولكن كما بيّنت في التقرير الس_رّي 30_ 25/7/30 فإنّني في هذه الفترة التي كنت في جدّة، وهي تزيد عن الخمسين يوماً، لم يكن الأمير في جدّة إلّا أيّام قلائل، وكان دائماً في الرياض أو في المنتزه للصيد، ولم أحصل علي فرصة لقاء طويلة ومناسبة. وهو سيسافر بعد أيّام إلي إيطاليا، ولا أجد أن من المناسب حاليّاً الحديث معه في خصوص هذه المسائل.

وأمّا في خصوص محادثات السيّد دشتي فلم أعثر في هذا المجال علي أيّ

ص:79

ملفّ أو وثيقة خطيّة في السفارة، ولكن من خلال بيان السيّد آزرمي الذي كان حاضراً في تلك المحادثات والمبيّنة في تقارير القاهرة، فإنّ الأمير فيصل لم يتفاعل مع الأمر ولم يبدِ أيّة موافقة، وبرّر الأمر بوجود المشاكل المذهبيّة والعقائديّة، وبيّن إمكان أن تكون مباحثات بين الوفد العلمي الإيراني مع علمائهم، وأن يلزموهم بالحجج والأدلّة الش_رعيّة، ويقنعوهم في هذا المجال أو يقتنعون هم بعدم مشروعية البناء علي القبور، وأنا من خلال دراساتي خلال هذه الفترة توصّلت إلي هذه النتيجة بأنّ علماء الوهّابيّة متعصّبون في عقائدهم جدّاً، ولهم هيمنة علي الجهات الحكوميّة في الشؤون المذهبيّة، ولا أري أنّهم يوافقون البناء علي القبور.

ولكن كما عرضت في التقرير السابق فإنّني سأدخل معهم حاليّاً في محادثات لتظليل قبور أئمّة البقيع كالتظليل الموجود بين الصفا والمروة، وإذا تمكّنا من كسب الموافقة بهذا المقدار، فباعتقادي أنّنا قد تقدّمنا خطوة كبيرة في هذا المجال؛ لأنّ من المحتمل عند بناء هذا التظليل أن يفرشوا الأمكنة المحيطة بالقبور بالأحجار، وتخرج حالة القبور من حالة التراب التي عليها الآن، وسأقوم بهذه المحادثات في أوّل فرصة مع الأمير فيصل بنفسه.

هذه كانت نظريّتي في خصوص المحادثات حول البقيع، والآن فما تأمرون فسأقوم به، واُخبركم بالنتيجة، ولهذا أرجوا إبلاغي برأيكم قبل عودة الأمير من إيطاليا.

تقرير السكرتير الأوّل للسفارة

تبعاً لهذا التقرير، أرسل كاظم آزرمي السكرتير الأوّل لسفارة إيران في جدّة برقيّة اُخري إلي طهران في تاريخ 20/1/1331، وهذه صورته:

ص:80

الرقم السرّي: 8

تاريخ: 20/1/1331

سرّي

وزارة الشؤون الخارجية

تبعاً للتقرير الس_رّي رقم 82، بتاريخ 27/12/1330 في خصوص ترميم وإعمار قبور أئمّة البقيع: ومع لحاظ عدم وصول جواب التقرير المذكور وعدم وصول الأوامر الجديدة في هذا المجال، وحيث اقتضي الأمر أن يسافر الوزير المفوّض إلي السعودية من أجل متابعة موضوع هذه الأماكن المتبرّكة ورصد إجراءات الجهات الحكوميّة، فإنّه سافر اليوم في الساعة 30/5 صباحاً بالطائرة، وكان السيّد محمّد خزانه (سيّد العراقين) قد وصل إلي الحجاز قبل يومين، فإنّه ذهب مع سيد «أعلم» إلي المدينة، وبعد إقامتهم فيها مدّة ثلاثة أيّام سيذهبون مباشرة إلي القاهرة.

وحيث كان موعد إرسال البريد في هذا اليوم، ولم يكن لمعالي الوزير المفوّض مجال كتابة التقرير، فإنّه كلّفني بهذا الأمر، وأمرني أن أكتب ما وقع بصورة مجملة وعلي ضوء أوامره كتبت كما يلي، _ علماً بأنّ معالي الوزير سوف يكتب التقرير المفصّل بنفسه بعد عودته _:

كما أخبرنا في التقرير رقم 82 بتاريخ 27/12/30 عندما فشلت محاولة إقناع الوهّابييّن في خصوص إعمار القبور والبناء عليها نتيجة تعصّب العلماء الوهّابييّن في نجد، قرّرنا محادثتهم _ كما بيّنا في التقرير السرّي رقم 52 بتاريخ 17/9/30 _ ليقوموا ببناء جدار حول بقعة البقيع، وأن يهتمّوا بتنظيفها وأن يبنوا مظلّة، وقرّرنا إقناع الجهات الحكوميّة بهذا الأمر؛ لأنّ تحقّق هذا الأمر يعني إنجاز كبير ورفع خطوة كبيرة في هذا المجال، وهي بادرة قد تؤدّي فيما

ص:81

بعد بعون الله تعالي إلي تغيير الأوضاع والأحوال، وتنتهي بصورة تدريجيّة إلي اتّخاد خطوات أكبر في هذا الصعيد.

وكما أشار سيّد العراقين ففي اللقاء الذي كان بينه وبين الأمير فيصل نائب سلطنة الحجاز وابنه الأمير عبدالله، ثمّ محادثتهم في هذا المجال، وقالوا له بأنّهم صدّروا الأوامر لبلديّة المدينة لتبني جداراً حول مقبرة البقيع، من أجل صيانتها وإخراجها من الوضعيّة الفعليّة، وأن ينصبوا مظلّة هناك ليحفظ الزّوار من الشمس.

السكرتير الأوّل للسفارة _ كاظم آزرمي

تقرير مظفّر أعلم

أبرق السيد «أعلم» بعد عودته من المدينة بالتقرير التالي إلي طهران:

الرقم السرّي: 9

جدّة، 25 فروردين 1331ه .ش

سرّي

وزارة الخارجية

تبعاً للتقرير السرّي رقم 8 بتاريخ 20/1/31 في خصوص البقيع، فإنّه لايخفي عليكم أنّا تحدّثنا في خصوص نصب مظلّة يمتدّ من باب البقيع إلي مقابل بقعة قبور الأئمّة الأطهار:، وتمّت الموافقة منهم، وفي يوم الأربعاء 20 فروردين ذهبت مع سيّد العراقين لمواصلة المحادثات مع الأمير فيصل والأمير عبدالله وزير الداخلية، وكان سيّد العراقين قد جاء من «كراجي» واستقبلته الحكومة السعودية بحرارة، وفي هذه الجلسة أيّدوا المحادثات السابقة، فذهبنا إلي المدينة المنوّرة وأبلغنا أوامر الأميرين إلي أمير المدينة،

ص:82

وذهبنا معه إلي البقيع، وشاهدنا المكان من قرب، وتمّ الاتّفاق بأن يكون وضع المظلاّت علي عاتق إدارة توسعة الحرم حيث كانوا مشغولين بتوسعة أطراف الحرم النبويّ المطهّر في تلك الفترة.

كما جرت بيننا محادثات علي حدة مع مسؤولي ومهندسي توسعة الحرم الش_ريف وغيرهم، وأكّدوا بأنّهم سيصنعون المظلاّت المناسبة، وأن يهتمّوا قدر الإمكان بأمر تنظيف وترتيب تلك البقعة.

وأوعدنا أمير المدينة، وهو كما يبدو كان متفهّماً للوضع، أنّه سيقوم بهذا الأمر وقال بأنّه سيحقّق مواعيده علي أرض الواقع، وأنّه بمجرّد بدء العمل سيتصل بشخص يُدعي الحاج رضا، وهو مهندس إيراني مقيم لسنوات عديدة في مكّة، وهو يعمل في البناء وأغلب شخصيّات المدينة يعرفونه، وسيطلب منه ليأتي إلي المدينة ويكون مش_رفاً علي العمل في البقيع ونصب المظلاّت فيها، ويهتمّ ببقعة القبور؛ من قبيل ترميم جدرانها وتبليط الأماكن الواقعة قربها، وإصلاح القبور؛ لتخرج علي أقلّ تقدير من الحالة المؤسفة التي عليها الآن، وأن يكون بين المظلاّت وبقعة قبور الأئمّة الأطهار شبّاك من حديد، ليقوم الزوّار بالزيارة من وراء هذا الشبّاك، وأن يكون هذا الشبّاك حاجزاً يمنع الزوار من الدخول في أرض القبور.

وعلي كلّ حال فالتعصّب الشديد الذي يعيشه هؤلاء إزاء موضوع القبور يدفعنا لنغتنم أيّة فرصة للإصلاح أو الترميم الممكن ولو كان بسيطاً وجزئيّاً، وقد أمرت حاليّاً السيّد محسن عمران _ وهو من الشيعة، وهو يعمل في إدارة مهندسي توسعة الحرم الشريف _ أن يكتب لي التقارير حول مسار العمل لأتّصل بالأمير عبدالله فيما لو شاهدنا أيّ فتور أو تلكّؤ في الأمر.

ص:83

جواب الكاظمي وزير الخارجية

كتب الكاظمي في رسالته المرقمة 498 والمؤرخة 1/2/31 إلي سفارة مملكة إيران في جدّة:

تبعاً للتقرير رقم 30 المؤرّخ 25/7/30، والتقرير رقم 52 الموّرخ 2/9/30، والرسالة رقم 82 المؤرّخة 17/9/1330 في خصوص موضوع بناء مظلاّت في البقيع مقابل قبور الأئمّة الأطهار نحيطكم علماً بما يلي:

اُجريت المحادثات التمهيديّة مع المسؤولين السعوديّين في خصوص نصب مظلاّت ووضع سياج مشبّك، وهذا لا يلبّي طموحنا، وهو البناء علي هذه القبور، ونأمل من خلال خطواتكم الجادّة والمؤّثرة، والمحادثات المتواصلة مع الجهات المختصّة أن تتابعوا مسألة البناء علي القبور المنوّرة بصورة كاملة، وأن تخبرونا سريعاً بمجريات الاُمور وبما تقومون به.

وزير الخارجية _ كاظمي

توجيه رسالة إلى لجنة الحجّ الدائمة

كتب مظفر أعلم بتاريخ 26/1/31 رسالة برقم 88 إلي إدارة لجنة الحجّ الثابتة في وزارة الخارجية:

عطفاً علي الرسالة رقم 3134/67773 المورّخة 20/11/1330 في خصوص الوضعيّة المؤسفة لقبور الأئمّة الأطهار في البقيع نحيطكم علماً بما يلي:

نتيجة اللقاء والمحادثات السابقة مع معالي الأمير فيصل وزير الخارجية ونائب سلطنة الحجاز، وابنه الأمير عبدالله وزير الداخلية، وموافقته علي صنع مظلاّت من باب البقيع إلي مقابل بقعة قبور الائمّة الأطهار، ذهبت في يوم الأربعاء الماضي 20 شهر فروردين، مع السيّد محمّد خزانه (سيّد

ص:84

العراقين) وذلك بعد مجيئه من كراجي، ذهبنا إلي المدينة المنوّرة، والتقيت بأمير المدينة، وذهبنا معاً إلي البقيع، وشاهدنا المكان من قرب، واتّفقنا أن يلقي أمر صنع المظلاّت علي عاتق إدارة توسعة الحرم النبويّ المطهّر، وأن يقوموا بهذه المهمّة ضمن عملهم، وتحدّثنا علي حدة مع المسؤولين المتصدّين والمهندسين ورئيس البلديّة وغيرهم.

وسأبعث بمجرّد بدء العمل الحاج رضا مهرآيين المهندس الإيراني الذي يعمل في البناء في مكّة والطائف وجدّة ليشرف علي عمل البقيع، وهو يحظى برعاية سموّ الأمير عبدالله، فاذا ذهب الحاج رضا إلي المدينة فسأحفّزه لينتهز ضمن صنع المظلاّت المزيد من الفرص المتاحة لترميم وإصلاح بقعة القبور من قبيل ترميم الجدار وأحجار الأرض وإصلاح القبور فيما لو أمكن، لتخرج القبور من الحالة المؤسفة التي عليها الآن، وأن يجعل بين المظلّة وبقعه قبور الأئمّة الأطهار سياجاً مشبّكاً من حديد يحجز الزوّار من الدخول إلي حريم القبور، وليقف الزوّار وراءه ويقوموا بزيارة هذه القبور، وأن لا يكون بين الزوّار والحرّاس اتّصال مباشر.

ونرجو أن ترسلوا إلي هذه السفارة مبلغ مائتي ليرة استرلينيّة لاُجرة الذهاب والإياب وبعض مصاريف هذا المهندس، وسأبعث ورقة الحساب لكم فيما بعد.

الوزير المفوّض الملكي _ مظفّر أعلم

كتب مظفر أعلم أيضاً بتاريخ 3/2/1331 رسالة إلي المكتب الملكي الخاص جاء فيها:

بعد موافقة الأمير فيصل وابنه الأمير عبدالله علي صنع مظلّة مقابل قبور أئمّة البقيع وترميم الجدران المحاطة بالقبور قمت باسم المملكة الإيرانية

ص:85

حسب اقتضاء الأمر بتقديم جزيل الشكر، أكتفي بهذا، وقد بعثت التقارير المرتبطة بالموضوع إلى وزارة الخارجية.(1)

أعلم

الرسالة الثانية

تابع الوزير الموضوع مرّة اُخري عن طريق وزارة الخارجية، وكتب مجدّداً بتاريخ 12/3/1331 رسالة برقم 257 إلي لجنة الحجّ الدائمة، وهي كمايلي:

عطفاً علي الرسالة رقم 3134/67773 المورّخة 20/11/1330 اُحيطكم علماً بأنّه قبل فترة بعث سموّ الأمير عبدالله فيصل (نائب سلطان الحجاز ووزير الداخلية والصحّة) رسالة إلي أمير المدينة المنوّرة، أوصاه فيها بمساعدة الحاج رضا مهرآيين المهندس الإيراني في موضوع صناعة المظلاّت وجدار البقيع، والانتفاع من فنّه وخبرته في هذا المجال. ولكن لم يصل لحدّ الآن المبلغ (مائتي ليرة استرلينيّة) الذي طلبناه في الرسالة رقم 88 المورخة 26/1/1331 للمصاريف المرتبطة بهذا المجال، ونحن بانتظار وصول هذا المبلغ، ونأمل منكم الإسراع في إرسال هذا المبلغ لننتفع من هذه الفرصة المتوفّرة، ونقوم بالإجراءات اللازمة لصناعة المظلّة وترميم جدار البقيع المبارك بما يليق به.

الوزير المفوّض الملكي _ مظفّر أعلم

لا يكفي صنع المظلّة

كتب كاظمي وزير الخارجية آنذاك رسالة اُخري إلي سفارة إيران في جدّة، وهي:


1- رقم الوثيقة 13، وتاريخ إرسالها 3/2/1331.

ص:86

عطفاً علي الرسالة السرّيّة رقم 9 المورخة 25/1/1331 في خصوص إصلاح وترميم قبور الأئمّة الأطهار وصنع مظلّة في البقيع، فإننّا ضمن تقديمنا جزيل التقدير للجهود التي بذلتها السفارة الملكيّة ومعالي مظفّر أعلم، نحيطكم علماً بما يلي:

لا يخفي عليكم بأنّ مسألة إعمار قبور البقيع مطلب جميع الإيرانيّين، وهم يطالبون دائماً أن تتّخذ إجراءات مؤثّرة في هذا المجال، وهم صادقون إذا قالوا بأنّ، صنع مجرّد مظلّة مقابل القبور _ ولم يعلم بعد كيفيّة صنعها _ بعد كلّ هذه المساعي والجهود المبذولة لا يحقّق توقّع العلماء العظام، وستستمرّ مراجعة هؤلاء إلي وزارة الخارجية.

و لا شكّ فإنّ وزارة الخارجية لديها اطّلاع كامل بالنسبة إلي العقبات التي تمنع تحقّق هذا الأمر والمخالفات الأساسيّة لاُمراء المملكة العربية السعودية، وتعلم بأنّ الحصول علي موافقة صنع مظلّة أيضاً كان علي أثر مساعي السفارة الملكية، ولكن تري وزارة الخارجية بأنّ من الأفضل متابعة الإجراءات السابقة، ومحاولة إقناع الجهات الحكوميّة في المملكة العربية السعودية؛ لإعمار قبور الأئمّة الأطهار والبناء عليها بما يليق بها في البقيع.

و علي كلّ حال يلزم قبل البدء بصنع المظلّة المذكورة أن تبعثوا إلى وزارة الخارجية المزيد من المعلومات حولها، وإرسال موقعيّتها علي الخارطة فيما لو أمكن.

كما يجدر التفات السفارة الملكية إلى هذه الملاحظة بأنّ سيّد العراقين ليس له أيّة منصب أو صفة رسمية، ويجب علي السفارة الملكية أن تمنعه منعاً باتّاً من تدخّله في هذا الأمر.

وزير الخارجية _ كاظمي

ص:87

لقاء مظفّر أعلم مع الأمير عبدالله فيصل

إنّ الوزير الإيراني المفوّض في لقائه 17/2/1331 مع نائب سلطان الحجاز الأمير عبدالله فيصل تابع موضوع البقيع، وبعث تقريراً إلي وزارة الخارجية في طهران كما يلي:

وزارة الخارجية _ الدائرة السياسيّة الاُولى

عطفاً علي التقرير الس_رّي رقم 17 بتاريخ 16/2/1331 نحيطكم علماً بأنّنا التقينا عصر يوم الأربعاء في اليوم السابع عشر من هذا الشهر، بناءً على موعد سابق، وجلسنا مع سموّ الأمير عبدالله فيصل وكيل سلطان الحجاز ووزير الداخلية والصحّة، وفي هذا اللقاء طُرحت مسألة بعث المهندس الإيراني الحاج رضا مهرآئين من قبل السفارة للإشراف علي ترميم الجدار وصنع المظلّه في البقيع وإرشادهم في هذا المجال، وأيّد سموّ الأمير ذلك، واتّفقنا أن يكتب توصية إلي المسؤولين المحلّيّين في المدينة المنوّرة ليوفّروا للحاج رضا المهندس الأرضيّة المناسبة للعمل.

و أمّا في خصوص إرسال تبرّعات الشعب الإيراني لهذا البناء، فتقدّر أنّه من المستبعد قبول ذلك؛ لأنّ صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن سعود عند قيامه بترميم الحرم النبويّ المطهّر رفض تبرّعات الشعب المص_ري وسائر تبرّعات مسلمي العالم، وهذا ما يزيد ظنّي وتقديري، ولكن مع ذلك فإنّني أبديت مشاعر الشعب الإيراني في هذا الخصوص، وقلت بأنّه من الش_رف والس_رور للإيرانييّن أن يساهموا في هذا العمل الخيّر.

و أجاب سموّ الأمير عبدالله: هذا العمل صغير، ولا يستحقّ التبرّع، ونحن كلّنا هنا في خدمة العالم الإسلامي، ولا يوجد فرق بين أموالنا وأموالكم، وأملي أن نستفيد من تبرّعات الشعب الإيراني في الأعمال

ص:88

والمخطّطات الكبري، وبهذا الاُسلوب المؤدّب والجميل اعتذر من قبول اقتراحنا.

و بعد هذا اللقاء وصلت الرسالة رقم 432/5376 المؤرّخة 16/2/31 والتي ورد فيها التقدير من جهود ومساعي هذه السفارة، وترغيبها وتشجيعها لإحراز المزيد من النجاح في هذا المجال.

و أنا أصالة عن نفسي ونيابة عن جميع العاملين في السفارة اُقدّم جزيل شكري واحترامي للانطباع الحسن الذي تحملونه عنّا، وأقول بأنّ هذه السفارة ستغتنم الفرص والظروف المناسبة، وستواصل مساعيها بشكل مستمرّ في هذا الطريق، وستنال قدر الإمكان علي المزيد من النتائج الإيجابيّة. وحسب اعتقاد هذه السفارة فإنّ الأفضل الاجتناب قدر الإمكان من تسليط الضوء علي هذه المسألة والحديث عنها في الصحف والمذياع؛ وذلك تحرّزاً من تحريك وإثارة مشاعر الوهّابييّن المتعصّبين وعلماء نجد.

وأمّا في خصوص بعث خارطة الجدار والمظلّة المقرّر صنعها، فبما أنّ المهندس الإيراني الحاج رضا هو الذي سيساهم من قبل السفارة في إعداد هذه الخارطة، فسيكون من السهل الحصول علي هذه الخارطة وإرسالها إليكم، والسفارة حاليّاً تنتظر وصول مبلغ مائتي ليرة التي طلبناها لهذا الغرض من لجنة الحجّ، والأفضل الإسراع في إرسال هذا المبلغ من رصيد لجنة الحجّ الدائمة أو من أيّة جهة اُخري؛ لئلاّ تفوتنا هذه الفرصة، ولنرسل المهندس إلي المدينة المنوّرة بمجرّد صدور الحكم والتوصية من قبل صاحب السموّ الأمير عبدالله.(1)


1- رقم الوثيقة 21 سرّي، وتاريخ إرسالها 23/2/1331.

ص:89

صدى نبأ إعادة الإعمار

أدّي انتشار نبأ إعادة إعمار البقيع إلي ابتهاج وارتياح المراجع والعلماء والشيعة، وبادرت بعض صحف العراق إلي نش_ر الخبر كما أشارت اذاعة إيران إلي هذا الخبر.

و كتب آية الله حسن سعيد= _ وهو ابن آية الله الميرزا عبدالله چهل ستوني= الذي كان إمام جماعة المسجد الجامع في طهران (مسجد الإمام حاليّاً) لعدّة سنوات، _ وكان في هذا التاريخ مقيماً لمدّة ثلاث سنوات في النجف الأشرف لمواصلة الدراسة، فكتب في 23 رجب عام 1371ه . ق رسالة في هذا المجال لمظفّر أعلم، وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم

اُحيطكم علماً بأنّ المكتوب الذي اطّلع عليه حجّة الإسلام الطالقاني يحكي عن زيارتكم للمدينة المنوّرة، وصدور قرار صنع مظلّة وبناء جدران لأئمّة البقيع، وهذا الخبر في الواقع أدّي إلي سرور وابتهاج الأوساط العالميه والدينية في النجف بحيث كان سرورهم وارتياحهم ممّا قلّ مثيله ونظيره، ومن دواعي السعادة أنّكم تتصدّون لمهامّ السفارة في هذه الفترة، وتقومون بهذه الخدمة الرفيعة، والعالم الشيعي يشكركم علي ما قمتم به، ولا سيما الشعب الإيراني الذي كان الرائد دائماً في الولاء لأهل البيت:، وهذا الأمر في الواقع أكبر سعادة لفضيلتكم، ولكلّ من بذل الجهد والمساعي في هذا السبيل.

وعموماً نأمل _ إن شاء الله _ أن يؤدّي هذا الاعتقاد الكامل الكامن في بواطنكم إلي المزيد من السعي لنيل المزيد من الفرص لتلتئم قلوب الشيعة الجريحة لسنوات، وأن يبلغ الشيعة _ ولا سيما الشعب الإيراني _ قمّة المجد والش_رف في ظلّ عنايات الأئمّة الأطهار:.

ص:90

واُقدّم التحيّات والثناء والتهاني أيضاً لسماحة العلاّمة الحاج سيّد العراقين إزاء مساعيه الموثّرة والجهود التي بذلها لتعبيد الطريق، وأتمني له النجاح الكامل، وفي الختام أسأل الله تعالي له دوام العزّة والسعادة مع فائق الاحترام.

ولا يفوتني أن أشير الى السيد الطالقاني أجري محادثات مع مراجع التقليد وكبار علماء النجف لتبعث برقيّات شكر وتقدير للحكومة السعودية، مضافاً لشكر المسؤولين الإيرانييّن، وتمّ الاتّفاق بعد الاستشارة أن تُتّخد بعض التدابير؛ لأنّ الحكومة السعودية إذا نفذت الموارد المشار إليها فمن الممكن أن يعتبرها الوهابيون خطوة عدائية. ولهذا نرجو توخّي المزيد من الحذر في مراعاة الاحترامات اللازمة. وقد بعثنا أيضاً برقيّات إلي طهران، ونتوقّع منهم أن يحرّكوا ساكناً ويبعثوا البرقيّات والرسائل، وقد تمّ تأجيل عقد المسيرة الجماهيريّة لوقت آخر.

أدام الله بقاءكم

النجف 23 رجب 1371ه

حسن سعيد

نص رسالة الشيخ حسن سعيد

ص:91

رسالة آية الله العظمى الحكيم=

كتب آية الله العظمي السيّد محسن الحكيم أيضاً _ وهو من كبار مراجع الحوزة العلميّة في النجف الأشرف _ رسالة في هذا المجال بتاريخ أوّل شعبان 1371ه .ق، وأبدي ارتياحه من خبر إعادة إعمار البقيع. ونصّ الرسالة بخط آية الله حسن سعيد، ويحتمل أنّه هو الذي كتبها، ثمّ ختم ووقّع عليها السيّد الحكيم، ويحتمل أنّ الشيخ حسن سعيد هو الذي ترجمها إلي اللغة الفارسيّة وكتبها بخطّه.(1)

و نص الرسالة كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أرجو أن تكونوا ذا مزاج طيّب وسليم، إن شاء الله مع تمنّياتي لكم بالتوفيقات الربّانيّة.

احيطكم علماً وصلت إلينا عن طريق الجناب المستطاب عمدة العلماء الأعلام ملاذ الإسلام الحاجّ السيّد محمّدتقي الطالقاني _ دام عزّه _ رسالة تكشف بحمد الله والمنّة قبول الحكومة مسألة إعمار قبور أئمّة البقيع علي شكل وضع مظلّه وترميم الجدار وأنّهم بدأوا بهذا العمل.

وقد أدخل هذا الخبر الفرح والسرور في قلوب الشيعة، وابتهجوا به غاية الابتهاج، والمجتمع الشيعي في الواقع هو الأجدر بأن يفرح إزاء ما وفّقكم الله إليه من القيام بهذه الخدمة الجليلة، وأسأل الله تعالي لجميع الذين قاموا بإنجاز هذا العمل بعد هذه الفترة الطويلة جزيل الأجر والثواب، وأسأل الله عزّ وجلّ لكم حيث نلتم بحمدالله هذا التوفيق للقيام بهذه الخدمة خلال موقعيّتكم طول العمر، والمزيد من الخدمات الجديرة للش_رع والمتديّنين وأن يوفّقكم لسعادة الدارين.

وأيضاً بما أنّ هذا الأمر ممّا يهتمّ به الشيعة بل المسلمون، فلهذا يجب التعامل معه


1- أصل الرسالة باللغة الفارسيّة والنصّ أعلاه ترجمة لهذه الرسالة إلي اللغة العربيّة المترجم.

ص:92

بدقّة ليكون بإذن الله تعالي بصورة تليق بشأن مقام المعصومين، ولهذا طلب جمع من العلماء والمؤمنين تقديم جزيل الشكر للجهات الحكوميّة لحكومة إيران العلية، وبعث برقيّات ورسائل للحكومة السعودية من أجل استمالتهم والتمكّن من الانتفاع من خدماتهم في المستقبل.

ويعتقد البعض بأنّ القيام بهذه الأمر سابق لأوانه؛ لانّ المراجع والعلماء ينبغي أن يبدو شكرهم في خاتمة العمل، ولهذا أصبح القرار أن نستفس_ر الأمر من فضيلتكم لتكتبوا إلينا شرحاً مفّصلاً حول كيفيّة البناء وحول أيّ إجراء يقتضيه الأمر حسب رأيكم وتجدونه مناسباً ومنسجماً مع الأوضاع المحلّية واُسلوب التفكير وتخبرونا بانتهاء البناء الفعلي لنقوم بما يقع في دائرة وسعنا، وليزول هذا القلق العام بإذن الله تعالي وعنايات الأئمّة الأطهار:، وأن يتحقّق هذا الأمر بشكل مناسب من خلال حسن درايتكم وتدبيركم، أسأل الله تعالي لكم التوفيق.

قدّموا جزيل الشكر نيابة عنّي وعن طلبة العلوم الدينيّة _ وفق ما ترون الصلاح فيه _ للحكومة ولجميع الذين ساهموا في هذا الأمر، ولا ننساكم من الدعاء.

محسن الطباطبائي الحكيم

السبت، غرّة شعبان 1371ه .ق

نصّ رسالة آية الله الحكيم

ص:93

جواب مظفّر أعلم لآية الله الحكيم

أجاب مظفّر أعلم في تاريخ 16 شعبان المعظّم 1371 رسالة آية الله السيّد محسن الحكيم بما يلي:

أتقدم إلي سماحتكم بجزيل الشكر والتقدير والامتنان لرسالتكم المؤرّخة 29/1/31 غرّة (أوّل) شعبان 1371 في خصوص تقديركم للإجراءات المتّخذة لبناء مظلّة مقابل القبور المطهّره لأئمّة البقيع المطهّرين: وأنا أري أنّ من وظيفتي الدينيّة أن أبذل قصاري جهدي في هذا الصعيد، لتتحوّل وضعيّة البقيع بعون الله تعالي إلي وضعيّة مرضيّة. ومن الله التوفيق وعليه التكلان.

وأمّا في خصوص ما يبتغيه جمع من العلماء والمؤمنين لبعث برقيّات أو رسائل إلي المملكة العربية السعودية للتشكّر منهم، فهذا ممّا لا صلاح فيه قطّ، وأرجو أن تقولوا لهم بأن لا يقوموا بهذا العمل؛ لأنّه يؤدّي إلي إفساد الأمر واجتثاثه من جذوره، ويفنّد جميع الإجراءات السابقة، ويجعل الجهود المبذولة هباءً منثوراً؛ لأنّ الوهّابييّن يخالفون تشييد القبور.

وأنا سأشكر الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية في الوقت المناسب وبالصورة المناسبة، وسأرسل في هذه الأيّام مهندساً إيرانياً ليش_رف علي صنع المظلّة بصورة تليق بالمقام.

وأرجو دعاءكم ودعاء العلماء الأعلام والمؤمنين في حرم أميرالمؤمنين7 لي بأن اُوفّق لأفضل الاُمور الخيرية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مظفّر أعلم

وبعث مظفّر أعلم أيضاً رسالة إلي آية الله السيّد حسن سعيد، وهي مشابهة للرسالة التي بعثها إلي آية الله العظمي السيّد محسن الحكيم=.

ص:94

رسالة آية الله السيد هبة الدين الشهرستاني

بعث آية الله السيّد هبة الدين الشهرستاني= أيضاً رسالة من بغداد إلي مظفّر أعلم بتاريخ 30 شعبان 1371ه .ق، وكتب فيها:(1)

«صديقنا الفاضل، أسأل الباري عزّ وجلّ لكم المزيد من العزّة والابتهاج ودوام الصحّة والعافية والسعادة، وأعتذر لقصوري وتقصيري في عدم مراسلتي لكم، ويشهد الله _ وكفي به شهيداً _ بأنّني أذكركم بخير علي الدوام، وأنا متألّم لطول الفراق بيننا، وخصوصاً بعد التصدّي لهذه الوظيفة الش_ريفة جدّاً وكثيرة النفع، وعموم الإسلامييّن وخصوصاً الإيرانيين... (2)وحيث إنّ ماء جدّة والحجاز لا يتلاءم مع مرض حموضة المعدة، قلقت وأنا في حالة انتظار لقائكم في بغداد عند مجيئكم إليها، أو أن أصل بنفس_ي إلي خدمتكم في طهران، وأنا في الواقع كنت مريضاً في هذه الأشهر وكنت ملازماً للفراش، كما طرأت لي عدّة موانع سلبت منّي إمكانيّة مراسلتكم، وهذا ما جعلني مقصّراً في مكاتبة الأحباب، وبلغ الأمر حدّاً بحيث عبّرتم عن قصوري في رسالة محمّدتقي الشهرستاني بالجفاء، وقد أدّي هذا المرض وسوء المزاج أن لا اُجيب دعوة الباكستانييّن، وفي هذه الفترة الأخيرة بعثت ولدي السيّد جواد نيابة عنّي، والمقرّر أن يعود في هذه الليلة بالطائرة من عندهم، وفي المرّة السابقة بعثت كاشف الغطاء نيابة عنّي، ولكنّه مع الأسف تص_رّف بخلاف رغبة أهالي تلك المنطقة وأهالي هذه المنطقة، وإن كان فضيلته عند عودته زاد الأمل فينا في خصوص الحصول علي إذن إعمار البقيع الش_ريف عن طريق السفير السعودي عبدالحميد الخطيب، ومكاتبته الرسميّة إلي ملك الحجاز و...


1- أصل الرسالة باللغة الفارسيّة والنصّ المذكور أعلاه هو التعريب لهذه الرسالة. المترجم
2- هكذا وردت نقاط في النصّ الأصلي للرسالة.

ص:95

لكن مع الأسف الشديد فإنّ رئيس الوفد الإيراني إلي باكستان، أعني الحاج ميرزا خليل كمره اي صرّح بأنّه تابع القضيّة عن طريق السفير السعودي، وحلف بأنّه لم يكتب إلي حكومته أو أيّ جهة اُخري رسالة في هذا الخصوص، وقال: بل لا يسعني كتابة ذلك لأنّه يخالف مذهبهم، وإذا تقدّمت بهذا الأمر فإنّه سيثير الشبهات حولي، ثمّ قال بأنّه كان شخص مع كاشف الغطاء (يقصد: سيّد العراقين) فطلب وبإصرار من الشيخ أن أكتب نصّاً يكشف عن إكرامي واحترامي له، فلم أجد مانعاً من ذلك، وكتبت له ما طلب وأعطيته إيّاه. ولكن [تبيّن لي بعد ذلك] بأنّ سوء تص_رّفات سيّد العراقين وأن إشاراته ومنشوراته أدّت إلي إفساد الأمر وقلبه رأساً علي عقب بحيث سيكون لتصرّفاته تبعات سلبيّة، وهو يستشهد دائماً وفي كلّ مكان برسائل ملازميكم وبالصور والنقولات المزيّفة و... و... (ولا أعلم أين سينتهي الأمر)

نعم، فالذين رجعوا من العمرة الرجبيّة _ ولا سيما شيخ العراقين والسيّد إبراهيم الشهرستاني _ أذاعوا أسرار سيّد العراقين، وكشفوا الحقائق للجميع، وأصبح الجميع يتحدّث عن اهتمامكم بهذا السيّد وثنائكم علي خدماته الجليلة، كما بش_ّرونا بقدوم موكبكم السامي، وأرجو أن تتفضّلوا علينا بالمجيء إلي منزلنا، فهو منزلكم، وأن لا يكون نقضاً للوعد كما حدث قبل ثلاث سنوات. وأنا وجميع الأصدقاء بخدمتكم».

و جاء في هامش الرسالة:

فضيلة سفير إيران الكبير حسين قدس نخعي يبعث تحيّاته الخاصّة وثناءه لمناقبكم وفضائلكم، ويبعث اُسرته وأبناءه لتقبيل أياديكم.

هبة الدين الحسيني الشهرستاني

30 شعبان 1371

ص:96

جواب رسالة آية الله الشهرستاني=

كتب مظفّر أعلم رسالة جوابية إلي آية الله السيّد هبة الدين الشهرستاني بتاريخ السبت 29 رمضان 1371 الموافق 1/4/1331، وجاء في هذه الرسالة بعد التحيّات:

وصلت بيدي قبل فترة رسالتكم الكريمة، فأشكر ألطافكم وسجاياكم الفاضلة، وآمل بعد أدائي لفريضة الحجّ أن أحظي بزيارتكم، وأن اُوفّق للبقاء عدّة أيّام لزيارة العتبات العاليات واُجدّد اللقاء بسماحة آية الله.

و أمّا في خصوص بناء المظلّة مقابل قبور أئمّة البقيع: فكما لا يخفي عليكم، فالبعض أذاعوا المسألة بصورة لا أساس لها، فأدّي هذا الأمر إلي تزلزل القضيّة، وأنا مع ذلك غير آيس، وسأبذل قصاري جهدي لتحسين الوضعيّة هناك، وأنا واثق بأنّ دعاء العلماء والمؤمنين والصلحاء سيؤدّي في نهاية المطاف إلي النجاح في تحقّق هذا الأمر. أبلغوا سلامي وتحياتي لأبنائكم الأعزّاء.

ألتمسكم الدعاء والسلام خير ختام

مظفّر أعلم

ص:97

ص:98

رسالة وزير البلاط

بعث وزير البلاط «علاء» أيضاً برقيّة إلي مظفّر أعلم بتاريخ 3/2/1331، وجاء فيها:

وفق الاتفاق الذي أخبركم به السيّد محمّدتقي ممثّل آية الله البروجردي، فإنّ المملكة العربية السعودية بصدد جعل مظلّة مقابل قبور أئمّة البقيع، فنرجو منكم إبلاغنا بالإجراءات العمليّة التي قامت بها المملكة العربية السعودية في هذا المجال لحدّ الآن، وما هي أفضل طريقة يشكر بها جلالة الملك جهود جلالة الملك ابن سعود؟ أخبرونا بسرعة.

وزير البلاط الملكي، علاء

ص:99

وأرسل مظفّر أعلم تقريراً حول «الاجراءات المحقّقة» لوزير البلاط، ولكن حيث إنّ علاء لم يحصل علي الجواب الذي يبتغيه بصورة واضحة وشفّافة، فلهذا بعث مرّة اُخري رسالة بتاريخ 28 نيسان (ابريل) 1952 الموافق 8/2/1331 ويخاطب أعلم قائلاً:

صاحب المعالى أعلم _ جدّة _

الآن حيث تمّت الموافقة علي صنع مظلّة، فنرجو المبادرة لدفع تكلفة صنعها من قبل الإيرانييّن، وهذا هو اقتراح صاحب الجلالة ملك إيران إلي صاحب الجلالة الملك ابن سعود، ودون ذلك فليسمحوا علي أقلّ تقدير أن يكون صنع المظلّة بإشراف إيران لتصنع بصورة تليق بالمقام. ونرجو الجواب بصراحة هل يستوجب الأمر أن يتمّ تقديم هكذا اقتراح من جلالة الملك؟ وما هو مدي نسبة تطوّر العمل؟

1370

وزير البلاط الملكي، علاء

أجاب أعلم بأنّه ليس من المصلحة تقديم هكذا اقتراح، وأنّه لا يوافق علي ذلك.

تفنيد الخبر من قبل المملكة السعودية

أدّي إذاعة خبر إعمار البقيع وعدم كتمان الأسرار وفقدان التدبير من قبل بعض الأشخاص ونشر الخبر في المذياع والصحف إلي ردّة فعل المملكة السعودية لتفنيد وتكذيب هذا الخبر.

و كتب مظفّر أعلم في هذا المجال:

رقم السجل السرّي: 11

تاريخ 9/2/1331ه .ش

ص:100

سرّي

وزير الخارجية

عطفاً علي التقرير السرّي رقم 9، المورّخ 25/1/1331 نحيطكم علماً بأنّه بعد إرسال التقرير السابق، توفّرت لي مرّة اُخري فرصة المحادثة مع صاحب السمو الأمير عبدالله فيصل، نائب سلطان الحجاز في خصوص الاهتمام بالبقيع، وصنع مظلّة مقابل قبور الأئمّة الأطهار:، فأوعدني بأن تبدأ الإجراءات في هذا المجال بس_رعة، وأمر المسؤولين المحلّيين بأن يتّصلوا بممثّلي السفارة بعد بدء العمل؛ ليشاهدوا مسار العمل عن قرب، ويساهموا في الأمر عن طريق إرشاداتهم، وأن يهتمّ المسؤولون بوجهات نظرهم.

وفي ذلك اليوم ذهب السيّد محمّدتقي الطالقاني إلي مكّة المعظّمة، وأدّي العمرة المفردة، ثمّ ذهب إلي جدّة فتلقّي بش_ري، بأنّ الأمير عبدالله أبدي غاية حسن النيّة والتعاون في خصوص هذا الموضوع، ولكن بعد استماعه لهذا الخبر من إذاعة طهران، أقلقه الأمر وخش_ي أن يؤدّي نش_ر الخبر في الإذاعة والصحف الأجنبية إلي إثارة علماء الرياض المتعصّبين، ويؤجّج غضب الوهّابييّن المتشدّدين ويدفعهم هذا الأمر إلي ثني الحكومة السعودية عن تنفيذ هذا القرار.

ومجيء السيّد محمّد خزانه (سيّد العراقين) إلي الحجاز و نشاطه حول هذا الموضوع أثار القلق مخافة أن ينطق في الحجاز أو خارجها بكلام لا ينسجم مع سياسة المملكة العربية السعودية، وهذا ما أدّي إلي تراجع نسبي من الحكومة السعودية إزاء هذه القضيّة.

ويجدر بي الإشارة إلي أنّ هذا الشخص المشار إليه تبرّع بالذهاب إلي الرياض واللقاء بجلالة الملك ابن سعود، ولكنّ المسؤولين السعوديين في

ص:101

جدّة أفهموه بأفضل صورة بأن ينص_رف عن هذا الأمر؛ لئلاّ يثير ذهابه المشاعر المذهبيّة و يوجب القيل والقال.

ثمّ وصلتنا برقيّة من السيّد علاء وزير البلاط الملكي يستفس_ر فيها عن طريقة التقدير من الجهات الحكومية في السعودية.

فقلنا له في مقام الإجابة: السفارة عبّرت عن تقديرها، والأفضل حاليّاً الاكتفاء بهذا المقدار. (و نصّ البرقيّة و الإجابة عليها مرفقة)

وأنا اُقدّم جزيل الشكر لوزارة البلاط ومن فضيلة السيّد علاء، وأرجو منه أن يستشير المسؤول المقيم هنا قبل اتّخاذ أيّة خطوة؛ لأنّ هذا المسؤول لديه إلمام كامل بمجريات الاُمور هنا، وهو محيط بحقيقة الاُمور، إن مجريات الاُمور لاحقاً _ والتي ساُبيّنها لكم فيما يلي _ أثبتت مدي ضرورة المشورة في هذا المجال، وكيف أدّت هذه المشورة إلى صيانة القيم والحفاظ علي مكانة البلاط الملكي.

ومع الأسف حدث أخيراً ما كنّا نخشاه، و يبدو أن سيّد العراقين بعد سفره من الحجاز كانت له في العراق تص_ريحات أعطت للموضوع حجماً أكبر من حجمه الحقيقي، ونشرت الصحف العراقيّة أيضاً هذا الخبر مع إضافات وزيادات، وهذا ما دفع الحكومة السعودية إلي تكذيب الخبر؛ خشيةً من اعتراضات الوهّابييّن وعلماء الرياض.

(نقدّم لكم نصّ التكذيب الصادر بلغة جافّة مع ترجمته مرفقاً بهذا التقرير)

ونخشي حالياً أن تمتنع الحكومة السعودية حتّي من وضع مظلّة مقابل قبور الأئمّة: أو جعل سياج ولو لمدّة مؤقتة.

وهكذا ادّى تدخل أشخاص غير مسؤولين الى ضياع جهود سفارتنا حول موضوع يهتم به جميع مسلمي العالم، ولا سيما الشعب الايراني والحكومة الملكية في ايران، ومع ذلك فَانّني سأبذل غاية جهدي بان لا يترك

ص:102

هذا الحدث الطارئ الأثر السلبي على ما اتفقنا عليه سابقاً، وأنْ لا يتراجع المسؤولون السعوديون عن وضع مظلّة وجدار للبقيع، ولكنّني غير واثق بانّ الجهود التي سأبذلها هل تترك أثرها في الوقت الحاضر أم لا، و ربّما كما يحتمل أنْ يُؤجّل هذا الأمر الى أشعار آخر.

ونأمل من حسن نيّة صاحب السمو الأمير عبدالله وتعاطفه مع الأمر اَنْ يقف بوجه اتّساع ردود فعل هذا التكذيب.

وبلغنا بالأمس برقية اُخرى أيضاً من السيّد علاء وزير البلاط، وقد أرفقنا هذه الرسالة أيضاً، ولا يخفي نظراً للحوادث الأخيرة لا يسعنا تقديم مقترحات جديدة أوْ نتقدّم بخطرات اُخرى، ويجب علينا أن ننتظِر لنرى الرأي القاطع للحكومة السعودية بالنسبة الى هذا الأمر، وعلينا اَنْ نسعى لئلا تُفنّد المخطّطات والقرارات السابقه.

الوزير المفوض الملكى _ مظفّر أعلم

نقدّم لكم نسخة أخرى من هذه الرسالة عطفاً للبرقيّة رقم 103 وذلك لإطلاع وزارة البلاط، وإلمامها بالحوادث الجديدة في هذا الخصوص.

نصّ بيان التكذيب

وقع في نهاية المطاف ما يُخشي منه، وأصدرت الحكومة السعودية بياناً رسميّاً تكذّب فيه خبر ترميم أو إعمار أو تشييد مقبرة البقيع.

ونشر نصّ هذا البيان بتاريخ 17 أبريل 1952 الموافق 7/2/1331 في جريدة البلاد العدد 1171 طبع مكّة المكرّمة.

جريدة البلاد السعودية، طبع مكّة المعظّمة.

العدد 1171 _ 27 أبريل 1952 (7/2/1331)

نصّ البيان

ص:103

إشادة قبور أئمّة البقيع

«انتشرت بعض الصحف العراقية وأذاعت بأنّ جلالة الملك المعظم قد وافق علي إشادة قبور أئمّة البقيع، وأنّه قد بوشر فعلاً بالبناء فيها، ذلك بناء علي المساعي التي بذلها محمّد حسين كاشف الغطاء بواسطة سيّد العراقين الذي سافر من النجف إلي الحجاز مزوّداً بتوصيات الشيخ كاشف الغطاء.

والحكومة العربية السعودية، إذ تكذّب هذا الخبر تكذيباً قاطعاً، تؤكّد بأنّها لا توافق علي أمر يخالف الدين الإسلامي الحنيف وأوامر الرسول9 وما كان عليه السلف الصالح».

رسالة السيّد إبراهيم الشهرستاني

كتب السيّد إبراهيم الشهرستاني أيضاً إلي مظفّر أعلم:

فضيلة صاحب المقام المنيع والمحترم السيّد الأجل الأكرم العالي مظفّر أعلم (دامت شوكته)

أحيطكم علماً:

أسأل الباري الأحد جلّ اسمه بجاه محمّد وآله الطاهرين لكم دوام العزّ والشوكة والصحّة والعافية، ولساني وقلمي قاصر عن التعبير، وبيان شكري وامتناني إزاء اهتماماتكم وعنايتكم المبذولة لي، ومنذ دخولي إلي العراق كان لساني يلهج بذكر أخلاقكم الحسنة.

وقضيّة إعمار بقعة البقيع مشكلة عويصة وساُبيّن ما شاهدته، ولكن من ناحية الشيخ كاشف الغطاء _ دامت بركاته _ وإغراء وتجاهلات سيّد العراقين في النجف، وأماكن اُخري، أصدرت الحكومة السعودية بياناً كذّبت فيه هذا الأمر،

ص:104

ولهذا أرسلت لكم نسخة من بيان الشيخ كاشف الغطاء مرفقاً لتطّلعوا عليها.

في الختام أسأل الباري عزّ وجلّ لكم العزّة والسعادة والظفر والنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السيّد إبراهيم الشهرستاني

جواب مظفّر أعلم

كتب «أعلم» في مقام الإجابة علي رسالة السيّد إبراهيم الشهرستاني مايلي:

صديقي العزيز فضيلة السيّد إبراهيم الشهرستاني _ دام عزّه _

وصلتني رسالتكم المحترمة المليئة بألطافكم وعواطفكم الجيّاشة، وما قمت به لم يكن إلّا مجرّد أداء وظيفة، وأجد نفسي مقصّراً، وأسأل الله سبحانه وتعالي أن يرزقني التوفيق لتقديم المزيد من الخدمات لحجّاج بيته الحرام، ولا سيما الإخوة والأصدقاء.

ساُواصل جهودي في أجواء هادئة وبعيدة عن الضوضاء لإعمار بقعة البقيع المطهّرة، وآمل نيل ما نبتغيه بصورة تدريجيّة، ولا يخفي أنّنا بحاجة إلي دعاء المؤمنين وأنفاس علماء الدين الأعلام، وبما أنّ هدفنا يرتضيه ربّ العالمين وأولياؤه المقدّسون، فلهذا إنّنا واثقون أننا سنصل إلي ما نبتغيه في فترة، سواء كانت قصيرة أو بعيدة الأمد، واُقدّم جزيل شكري وتقديري لما أبداه العلاّمة السيّد هبة الدين الشهرستاني من لطف ومحبّة، وأرجو إبلاغ تحيّاتي لسماحته.

وزملائي السيّد رائد وشريعت أيضاً يشكرون لطفكم ويبلغونكم التحيّات ويلتمسونكم الدعاء في حرم سيّد الشهداء7.

ص:105

المتابعات اللاحقة

علي الرغم من تكذيب الحكومة السعودية فإنّ مظفّر أعلم تابع الأمر، وطرح الموضوع مرّة اُخري علي طاولة البحث عند لقائه مع المسؤولين السعوديين.

و ورد في التقرير المرقم 17 والمؤرّخ 16/2/1331 خطاب أعلم للدائرة السياسيّة الاُولي في وزارة الخارجية مايلي:

دائرة الملفّ السرّي

رقم: 17

تاريخ: 16/2/1331

سرّي

وزارة الخارجية _ الدائرة السياسيّة الاُولي

عطفاً علي التقرير السرّي رقم 11 المؤرّخ 9/2/1331، وعطفاً علي الرسالة السريّة رقم 498 المؤرّخة 1/2/1331 اُحيط هذه الدائرة علماً بما يلي:

توفّرت لي في الآونة الأخيرة فرصة اللقاء مع سمو الأمير عبدالله فيصل (نائب سلطان الحجاز ووزير الداخلية والصحّة) فعاتبته إزاء تكذيب الحكومة السعودية لموضوع إعمار البقيع، فأجابني بأنّ هذا التكذيب فقط تكذيب لما ورد في مضامين جرائد العراق في خصوص تشييد قبور أئمّة البقيع، وأمّا مسألة الموافقة مع وضع سياج وجعل مظلّة فإنّها باقية علي قوّتها، وهذا التكذيب لا يغيّر في تنفيذ هذه الخطّة، ثمّ أضاف بأنّنا قلنا من البداية ونكرّر الآن مرّة اُخري بأنّ المملكة العربية السعودية لا توافق أبداً علي تشييد قبور أئمّة البقيع؛ لأنّ هذه المسألة لا تنسجم مع معتقداتها

ص:106

المذهبيّة، ولا يقبلها علماء المذهب قطّ.

وحيث كان هذا اللقاء وهذه المحادثة في إحدي جلسات الضيافة، فلهذا لم يتوفّر لي المزيد من المجال للحديث في هذا الموضوع، وآمل أن أحصل علي موعد لقاء مفصّل مع سمو الأمير عبدالله في المستقبل لأتحدّث معه حول مساعدة إيران لصنع المظلّة وسياج بقعة البقيع.

وأمّا في خصوص إحراز موافقة المسؤولين في المملكة العربية السعودية علي تشييد نفس قبور الأئمّة الأطهار والبناء عليها ما عدا المظلّة والسياج فلا يوجد أيّ مجال حاليّاً لطرحه، ولم تثمر أيّة مساع بذلت في هذا الطريق، والحكومة السعودية علي أقلّ تقدير غير مستعدّة حاليّاً لتقبّل الأمر، وسمو الأمير فيصل وسمو الأمير عبدالله فيصل وغيرهم من كبار شخصيّات المملكة العربية السعودية قالوا مراراً وأكّدوا بأننّا يجب أن لا نتوقّع موافقة الحكومة السعودية علي هذا الأمر.

وكما أري بنفسي من قريب وكما لديكم إلمام كامل في هذا الخصوص، فإنّ نفوذ علماء الوهّابيّة في الحكومة السعودية قويّ جدّاً، بحيث تجد في كلّ مدينة من المملكة هيئة باسم هيئة الأمر بالمعروف تستلم رواتبها من الحكومة ومهمّتها مراقبة الأوضاع؛ لئلاّ يتحقّق أمر مخالف للدين (أي: مخالف للمذهب الوهّابي في الواقع)، وهذه الهيئة لها إشراف حتّي علي البضاعات الجمركية المستوردة، ولا يسمحون بدخول الكتب المخالفة للمذهب الوهّابي أو الأفلام السينمائيّة أو الصوتيّة وما شابه ذلك، وكلّ ما يشاهد في المملكة السعودية من هذه الأشياء فكلّها واردة عن طريق التهريب.

وانتشر قبل عدّة أسابيع في جدّه خبر يحكي عن وجود شخص كان لديه جهاز سينمائي في بيته، وكان يقصده البعض خفية ليشاهدوا عنده الأفلام إزاء

ص:107

اُجرة معيّنة، فلمّا شاع خبره، اقتحمت الهيئة داره فوراً وأخرجت الجهاز والأفلام كلّها وأحرقتها أمام الملأ، وعاقبت صاحب البيت.

ومن هذا المنطلق أري الاكتفاء حاليّاً بهذا الحدّ من الموافقة الحاصلة، والاجتناب من الإجراءات التي ليس لها ثمرة إيجابية.

الوزير الملكي المفوّض _ مظفّر أعلم

لقاء مع الأمير عبدالله فيصل

الرقم السرّي: 21

تاريخ: 23/2/1331

سرّي

وزارة الخارجية _ الدائرة السياسيّة الاُولي

عطفاً علي التقرير السّري رقم 17 بتاريخ (16/2/1331) نحيطكم علماً بأننا إلتقينا عصر يوم الأربعاء في السابع عشر من هذا الشهر، وذلك بعد تحديد الوقت مسبقاً، وجلسنا مع معالي الأمير عبدالله فيصل، نائب سلطان الحجاز ووزير الداخلية والصحة. وفي هذا اللقاء طُرحت مسألة بعث المهندس الإيراني الحاج رضا مهرآئين من قبل السفارة للإشراف على ترميم الجدار وصنع المظلّه في البقيع وإرشادهم في هذا المجال، وقد أيّد معالي الأمير ذلك، واتفقنا أن يكتب توصية إلي المسؤولين المحليين في المدينة المنوّرة؛ ليوفروا للحاج رضا المهندس الأرضية المناسبة للعمل.

وأمّا في خصوص إرسال تبرعات الشعب الإيراني لهذا البناء، أري أنّه من المستبعد قبول ذلك، لأنّ صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن السعود عند قيامه بترميم الحرم النبوي المطهر رفض تبرعات الشعب المص_ري وسائر

ص:108

تبرعات مسلمي العالم، وهذا ما يزيد ظني وتقديري ولكن مع ذلك فإنني أبديت مشاعر الشعب الإيراني في هذا الخصوص، وقلت بأنّه من الش_رف والس_رور للإيرانيين أن يساهموا في هذا العمل الخيري.

وأجاب سموّ الأمير عبدالله: هذا العمل صغير، ولا يستحق التبرّع، ونحن كلّنا هنا في خدمة العالم الإسلامي ولا يوجد فرق بين أموالنا وأموالكم، وأملي أن نستفيد من تبرعات الشعب الإيراني في الاعمال والمخططات الكبري، وبهذا الأسلوب المؤدب والجميل اعتذر من قبول اقتراحنا.

تقدير جهود السفارة

وبعد هذا اللقاء وصلت الرسالة رقم (432/5376) المورخة (16/2/31) التي ورد فيها التقدير من جهود ومساعي هذه السفارة وترغيبها وتشجيعها لإحراز المزيد من النجاح في هذا المجال. وأنا نيابة عن نفسي وعن جميع العاملين في هذا السفارة أُقدّم جزيل شكري واحترامي للانطباع الحسن الذي تحملونه عنّا، وأقول بأنّ هذه السفارة ستغتنم الفرص والمواقع المناسبة، وستواصل مساعيها بشكل مستمر في هذا الطريق، وستنال قدر الإمكان علي المزيد من النتائج الإيجابية.

وحسب اعتقاد هذه السفارة فإنّ الأفضل الاجتناب قدر الإمكان من تسليط الضوء على هذه المسألة والحديث عنها في الصحف والمذياع؛ وذلك تحرّزاً من تحريك وإثارة مشاعر الوهّابيّين المتعصبين وعلماء نجد.

وأمّا في خصوص بعث خارطة الجدار والمظلّة المقرّر صنعها، فيما أنّ المهندس الإيراني الحاج رضا هو الذي سيساهم من قبل السفارة في إعداد هذه الخارطة، فسيكون من السهل الحصول على هذه الخارطة وإرسالها إليكم، والسفارة حالياً

ص:109

تنتظر وصول مبلغ مائتين ليرة التي طلبناها لهذا الأمر من لجنة الحج، والأفضل الإسراع في إرسال هذا المبلغ من رصيد لجنة الحج الدائمة، أو من أيّة جهة أخري؛ لئلا تفوتنا هذه الفرصة، ولنرسل المهندس إلي المدينة المنورّة بمجرّد صدور الحكم والتوصية من قبل صاحب السموّ الأمير عبدالله.

مسألة وزير الخارجية

في هذه الفترة طرح الدكتور متين دفتري (عضو مجلس الشيوخ) سؤالاً لوزير الخارجيّة آنذاك في المجلس وطلب الإجابة، وحض_ر وزير الخارجية الدكتور الكاظمي أيضاً في يوم الاثنين المورّخ 22/2/1331ه.ش في مجلس الشيوخ وبيّن بعض التوضيحات، ووردت هذه القضيّة في الوثيقة التالية:

الدائرة السياسيّة الاُولي

رقم: 69

تاريخ: 9/2/31

وزارة الخارجية

سفارة المملكة إلايرانية

جدّة

طرح في الآونة الأخيرة سؤال موجّه لمعالي وزير الخارجية حول إعمار قبور أئمّة البقيع، ونذكر فيما يلي النص الكامل لخطاب الوزير الذي ألقاه في مجلس الشيوخ في يوم الإثنين 22/2/1331، فنرفقه لتطّلع السفارة الملكية عليه.

وزير الخارجية

وزارة الخارجية

ص:110

في خصوص سؤال عضو مجلس الشيوخ المحترم الدكتور متين دفتري حول مسألة قبور الأئمّة الأطهار: في البقيع، أري اقتضاء الض_رورة لبيان موجز ما حدث والإجراءات التي قامت بها وزارة الخارجية لحدّ الآن في هذا المجال.

مسألة إعمار قبور الأئمّة الأطهار في البقيع من المسائل التي أبدي شعب وحكومة إيران رغبة فيها، ولهذه المسألة تاريخ عريق، وكان تحقّق هذا الأمر ولا يزال مبتغي حكومة إيران وشعبها _ وكان ممثلو إيران في الخارج علي الرغم من وجود الإشكالات والموانع الكثيرة ينتهزون جميع الفرص المتاحة للحديث مع المسؤولين المؤثّرين وأبرز الجهات الحكوميّة للمملكة العربية السعودية وتنبيههم علي أهميّة الموضوع، منها ما تحقّق في دورة السفارة الكبري لعضو مجلس الشيوخ صاحب الفضيلة الدشتي حيث التقي عام 1329 في مص_ر بالسمو الأمير فيصل نائب السلطان ووزير الخارجية للمملكة العربية السعودية، وبيّن الإشكالات الموجودة، وذكرها في تقرير مفصّل لتطلّع عليها وزارة الخارجية.

وأنا أيضاً في السنة الأخيرة لم يعترني اليأس من عدم النجاح السابق، وبعثت الوزير المفوّض الجديد إلي جدّة وأبلغت التعليمات اللازمة حول إعمار بقاع البقيع المتبرّكة، وأنجزت الإجراءات الجادّة، وأصدرتُ الأوامر المكرّرة خلال الأشهر الأخيرة.

وفي الآونة الأخيرة بعد اللقاء بين ممثّل إيران في جدّة وسمو الأمير فيصل نائب السلطان ووزير الخارجية، وسمو الأمير عبدالله وزير الداخيلة السعودية، بيّن ممثّل إيران توقّعات شعب وحكومة إيران، ونبّه الجهات الحكوميّة المتوليّة لاُمور المملكة العربية السعودية علي أهميّة الأمر.

وعلي أثر هذه الإجراءات والمناشدات التي طرحت كذلك في بعض

ص:111

الاجتماعات الإسلاميّة المهمّة وافقت الحكومة السعودية، وأمرت أمير المدينة بترميم جدار قبور أئمّة البقيع، وصنع مظلّة في البقيع، وكلّفت إدارة توسيع الحرم بهذا الأمر؛ لأنّ هذه الإدارة تكفّلت في الفترة الأخيرة مهمّة توسعة الحرم النبويّ المطهّر، وأوكل لها أن تقوم بهذا العمل في البقيع ضمن أعمالها الاُخري، وتقدّمنا في هذا المجال بحيث اتّفقنا أن يساهم مهندس إيراني مقيم في المملكة مع هؤلاء لترميم قبور أئمّة البقيع:.

ولا يخفي فإنّ وزارة الخارجية لم تكتف في خصوص ترميم جدار البقيع وصنع مظلّة مختص_رة، وأمرت السفارة الملكيّة في جدّة لتتابع إجراءاتها ومحادثاتها لتلفت انتباه مسؤولي المملكة العربية السعودية إلي أهميّة هذا الموضوع، وأن يكون تس_ريع في الأمر الذي يهتمّ به جميع المسلمين، ولا سيما العالم الشيعي والإيرانيّون، ويطالبون بتحقّقه.

سؤال فروزانفر من وزير الخارجية

ومرّة اُخري بتاريخ 28/3/1331 قال فروزانفر عضو مجلس الشيوخ آنذاك لرئيس مجلس الشيوخ:

أرجو الموافقه علي إرسال السؤال التالي لمعالي وزير الخارجية ليحض_ر المجلس ويجيب عليه.

السؤال: هل تمّ إعمار البقعة المباركة التي تضمّ قبور أربعة من أئمّة الشيعة أم لا؟ وقد سألنا هذا السؤال أيضاً فيما سبق.

أجاب الكاظمي وزير الخارجية آنذاك قائلاً:

في خصوص جواب سؤال فروزانفر العضو المحترم في مجلس الشيوخ حول إعمار قبور أئمّة البقيع أري من الضرورة أن ألفت انتباه أعضاء مجلس

ص:112

الشيوخ المحترمين إلى ما قلته في جلسة يوم الإثنين 22/2/1331 في مقام الإجابة علي سؤال الدكتور متين دفتري:

قلت في ذلك المقام بأنّنا علي أثر الإجراءات التي قمنا بها طيلة السنة الأخيرة أحرزنا موافقة الجهات الحكوميّة المحترمة في المملكة العربية السعودية لترميم جدار قبور الأئمّة الأطهار: وصنع مظلّة في البقيع، ولم يدر الكلام حول تشييد قبور الأئمّة الأطهار ليقال: تراجعوا الآن ممّا وقع فيما سبق.

وأمّا مبادرة بعض اشخاص الذين لايشعرون بالمسؤولية، من أجل الشهرة أو إلفات أنظار الآخرين إلي أنفسهم، سواء كانوا في إيران أو في العراق، والتص_ريح بصورة مبالغ فيها، فإنّ ما قاموا به لا أثر له سوي عرقلة أصل ما نبتغيه، ولهذا أري من الأفضل أن نهتمّ في هكذا موارد فقط إلي تص_ريحات الجهات الرسميّة، وأن تُراجع وزارة الخارجية من أجل الإلمام بالاُمور؛ لئلاّ يحصل إبهام أو غموض في أصل الموضوع، ولئلاّ يحدث سوء تفاهم من التص_ريحات المبالغ فيها والتي ينطق بها الآخرون.

واُحيطكم علماً تأييداً لما بيّنته سابقاً أنه تمّ إصدار أوامر جديدة ومؤكّدة في هذا الصدد لسفارة المملكة في جدّة، وآمل أن نحصل علي نتائج مرضية، وتحقّق هذا الأمر يوجب توفير الأرضيّة المناسبة لإحراز المزيد من التوفيقات الأهمّ في المستقبل.

لقاء آخر لأعلم مع الأمير فيصل

التقي مظفّر أعلم الوزير الملكي المفوّض مرّة اُخري مع الأمير فيصل نائب سلطان الحجاز، وذلك بتاريخ 10/4/31 وذلك نتيجة إقامة الأمير

ص:113

في الطائف للاصطياف، وكتب مظفّر في تقريره:

ذهبت إلي الطائف لألتقي مع سمو الأمير فيصل، وذلك لتوديعه بمناسبة سفري إلي الحبشة، وأيضاً لتعميق العلاقة ولفت انتباهه لمسألة صنع المظلّة وترميم جدار البقيع، وأيضاً للمحادثة معه حول موضوع الدعوة التي كنت ملزماً بابلاغها نياية عن رئيس الوزراء الدكتور مصدّق، حيث وجّه له دعوة لزيارة إيران، فكنت ملزماً بهذا الأمر وفق الرسالة الس_رّيّة رقم 1778 المؤرّخة 31/3/1331...

نهاية المطاف

استمرّت اللقاءات والمحادثات، وتغيّر السفراء، وحاول الأشخاص الجدد أيضاً أن يتابعوا جهود السابقين بقوّة أو ضعف، وفي نهاية المطاف تمّ صنع مظلّة قرب قبور أئمّة البقيع، وزيّنوا أرضيّة الممرّ إلي البقيع بالبلاط الاسمنتي، وتمّ ترميم جدار البقيع والساحة التي تقع أمام القبور، ولكن لم يحدث قط شيء له صلة بتشييد قبور الأئمّة والبناء عليها أو إعادة بناء قبور الشخصيّات المدفونة في البقيع.

و لا تزال قبور أربعة من أئمة الشيعة وقبور العديد من كبار شخصيّات صدر الإسلام والوجهاء المحترمين عند المذاهب الإسلاميّة تصهرها الشمس، وتذروها الرياح وتنهمر عليها الأمطار، وهذا ما يبعث الأسي في قلب كلّ زائر يشاهد هذا المنظر، ويدعوه إلي التفكير للبحث عن حلّ لهذه المسألة.

و نحن نأمل من رؤساء البلدان الإسلاميّة وجميع أتباع المذاهب الإسلاميّة والأحزاب والجماعات الإسلاميّة المبادرة لحلّ هذه المشكلة، ومطالبة رجال الحكومة السعودية لإخراج البقيع وبس_رعة من الحالة

ص:114

المأساوية التي عليها الآن وإحيائها وصيانتها كأثر خالد من آثار التاريخ الإسلامي.

و في الختام نورد بعض الوثائق الاُخري للباحثين الراغبين في معرفة المزيد من المعلومات في هذا المجال، وقد نقلنا هذه الوثائق من كتاب «اسناد روابط إيران وعربستان سعودي» إعداد عليّ المحقّق:

تاريخ الوثيقة: 24/6/1322

من: سفارة إيران في القاهرة

إلي: وزارة الخارجية

الموضوع: إعمار الأبنية والبقاع المتبرّكة في البقيع

رقم: 135

سرّي

وزارة الخارجية

وصلت إلينا الرسالة رقم 2100 المؤرّخة 20/5/1322 مرفقة بصورة من رسالة وزارة البلاط في خصوص طلب آية الله القمّي من جلالة الملك إعمار الأبنية والبقاع المتبرّكة في المدينة المنوّرة.

ومع أنه كان معلوماً بأنّ المملكة العربية السعودية سترفض طلب آية الله القمّي، ومن منطلق التصوّر بأنّ أيّ مقدار من التقدّم في خصوص وضعيّة القبور والبقاع المتبرّكة المشار إليها، وتحسين حالتها يوجب تلبية مطالبة العلماء بصورة نسبيّة، فقد التقيت بالقائم بالأعمال في سفارة المملكة العربية السعودية، وبعد بيان المقدّمة المناسبة حول العلاقة الطيّبة بين إيران والمملكة العربية السعودية، و صلة الاُخوة الإسلاميّة والتضامن بين الشعبين، واشتياق الايرانيّين الوطيد لمكة المعظّمة التي هي كعبة جميع المسلمين، وللمدينة المنوّرة

ص:115

التي فيها مرقد نبيّ الإسلام، بدأت بطرح الموضوع كما يلي:

لا يخفي عليكم بأنّ في بداية تصدّي جلالة الملك ابن سعود لزمام الحكم في الحجاز دمّرت الأبنية التي كانت علي قبور البقيع، وهذه القبور ترتبط بكبار الشخصيّات الإسلاميّة الذين يجب أن يفتخر بهم العالم، ونحن نخشي اندراس هذه المعالم بمرور الزمن، واختفاء أثرها بصورة مطلقة، ولا توجد علامة تميّزها عن سائر القبور، فإذا صدرت الموافقة من المملكة العربية السعودية فإنّه من دواعي سرور حكومة إيران وجميع الإيرانييّن القيام بإعمار هذه الأماكن المتبرّكة.

فقال القائم بالأعمال السعودي:

البناء علي القبور وفق الأحاديث الصحيحة أمر ممنوع ومخالف للش_رع! (ثمّ أشار إلي بعض الأحاديث لتأييد ما قال) ثمّ أضاف بأنّ هذه القبور مشخّصة بجعل الأحجار حولها، ولا يخفي علي أحد بأنّه لمن تعود هذه القبور ومن ثم لا يوجد إشكال بإجراءات تميّز وتشخّص هذه القبور عن سائر القبور!

قلت: لا يوجد شكّ في لزوم تطبيق أوامر الش_رع بالكامل، وحكومة إيران أيضاً ملتزمة كاملة بالشرع ومطيعة لأوامره، ولا تطلب شيئاً مخالفاً للش_رع أبداً، ولا يوجد اختلاف بين المذاهب في أساس الإسلام، وإنّما الاختلاف يرتبط بالاُمور الفرعيّة، حيث تختلف فيها آراء العلماء، كما يوجد اختلاف في تصحيح أو تضعيف بعض الأحاديث النبويّة، وفي خصوص هذا الاختلاف فأكثرية مسلمي العالم قاطبة من قبيل مسلمي مص_ر والعراق وإيران وسوريا وأفغانستان يجوّزون البناء علي قبور الأولياء، ولكن بش_رط أن لا يكون غلوّ في تقديسها وتعظيمها.

ص:116

ولا نستهدف من هذا الطلب أن تكون القبور مزاراً للأشخاص، وإنّما الهدف بناء مختصر علي هذه القبور؛ لئلاّ تندرس هذه القبور، وليس الملاك هو الآن، لأننّا قريبو العهد بهدمها، وإنّما نخشي أن يزول أثرها بمرور الزمن.

أجاب القائم بالأعمال السعودي:

نحن نوافق على طلب المملكة [الإيرانية] في نطاق ما يسمح لنا الش_رع، وأضاف بأنّ تمييز القبور بوضع الأحجار حولها ووضع لوح حجري عليه لا إشكال فيه شرعاً، ولكنّ أكثر من هذا الحدّ فإنّه ممنوع عند المذهب الوهّابي الذي هو المذهب الرسمي للمملكة العربية السعودية. وعلي كلّ حال، فبقدر ما يسمح لنا الش_رع فإنّ المملكة العربية السعودية ستقوم به من تكلفها الشخصيّة، ولا تسمح أبداً لأحد أن يساهم بأمواله في هذا المجال.

و في نهاية المحادثات وإصراري اتّفقنا بأن تكتب رسالة إلي سفارة المملكة العربية السعودية لتطّلع وزارة الخارجية السعودية، علي ما يقتضيه الأمر.

و كُتبت الرسالة وا ُرسلت، ولا أظنّ التمكّن من الحصول علي ما نبتغيه من هذه الطريقة، وإن كنتم توافقون فإنّني سأذهب في هذه السنة إلي الحجاز ومكّة، وقد يكون بيني وبين الأمير فيصل نائب السلطان ووزير الخارجية في الحجاز لقاء، وهو أكثر انفتاحاً من أبيه، فاُجري معه محادثات لعلّها تؤدّي بعون الله تعالي إلي النتيجة المطلوبة.

إذا تمت الموافقة علي ذهابي، يجب إرسال المبلغ الكافي قبل موعد السفر.

سفير ايران الكبير

محمود جم

ص:117

تاريخ الوثيقة: 6/7/1322

من: سفارة إيران في القاهرة

إلي: وزارة الخارجية

الموضوع: متابعة وعد ابن سعود في خصوص إعمار قبور البقيع

الرقم: 140

سرّي

وزارة الخارجية

عطفاً علي تقرير الحجاز الس_رّي رقم 135 المؤرّخ 24/6/1322 في خصوص طالب آية الله القمّي من جلالة الملك حول مسألة إعمار الأبنية والبقاع المتبرّكة في المدينة المنوّرة نحيطكم علماً بما يلي:

لا يخفي عليكم بعد دخول الوهّابيّة إلي مكّة ووصول خبر هدم بعض البقاع المتبرّكة فيها، كان الصراع مستمرّاً بين السلطان ابن سعود والملك علي ابن الش_ريف حسين، فتمّ إرسال غفّار جلال الوزير الملكي المفوّض في مص_ر من قبل مملكة إيران لمتابعة الأوضاع وإجراء المحادثات اللازمة في الحجاز. وكُلّف محمّدرضا گلستانه لحسابات هذه السفارة، فسافر مع جلال إلي الحجاز بصفته مترجماً للغة العربية، وهو يقول بأنّ السلطان ابن سعود بعد المحادثات الكثيرة أبدي استياءه من تص_رّفات الوهّابيّة في خصوص البقاع المتبرّكة (قبر وبيت خديجة وغيرها) واعتذر في هذا الخصوص، ووعد بأنّه إذا كانت مملكة إيران راغبة في إعمار ما تمّ تدميره فإنّه لا يجد مانعاً في ذلك.

ما يفهم من مضامين الوثائق أن نفس مراسلات ابن سعود إلي صاحب الجلالة الملك بهلوي في الوقت الذي كان نائب السطنة العظمي مرفقة بالتقرير رقم 230 المؤرّخ 27 شهر آبان 1304 المرسل إلي وزارة الخارجية. (الرسالة مرفقة لمزيد الاطّلاع)

ص:118

نرجو مراجعة الملفّات الموجودة وبعث نسخة من هذه الرسائل إلي هذه السفارة، فاذا كانت في الواقع وثيقة صحيحة تبيّن وعد الملك ابن سعود، فإنّها ستكون مفيدة جدّاً.

السفير الكبير

تاريخ الوثيقة: 23/10/1332

من: وزير الخارجية

إلي: سفارة إيران في القاهرة _ كراجي _ جدّة

الموضوع: الاستعلام حول الأنباء المرتبطة بإعمار قبور البقيع

الرقم: 3074/38716

سفارة مملكة إيران العظمي _ القاهرة

سفارة مملكة إيران العظمي _ كراجي

سفارة مملكة إيران العظمي _ جدّة

لا يخفي عليكم بأنّ جميع الدول الإسلاميّة، ولا سيما دولة إيران تسعي خلال سنوات بأيّ طريقة ممكنة أن تحصل علي موافقة مسؤولي المملكة العربية السعودية لبناء البقاع المتبرّكة في المدينة، أي: بناء مسجد في بقعة البقيع وصنع مظلّة حول هذه البقعة، ولكن مسؤولي المملكة العربية السعودية تعاملوا دائماً مع هذه القضيّة بتلكّؤ ومماطلة، ولم يبدؤوا بأنفسهم بهذا البناء، ولم يسمحوا لسائر البلدان الإسلاميّة أن تقوم به من حسابها الخاص.

وفي الآونة الأخيرة شاع بصورة متواترة عن طريق الصحف والجرائد بأنّ في اللقاء الذي جري بين رئيس وزراء أفغانستان وا ُمراء المملكة العربية السعودية خلال الحجّ في العام الماضي وعد ملك السعودية حاليّاً رئيس الوزراء بأنّه سيقوم بهذا الأمر، وكان ملك السعودية آنذاك وليّاً للعهد ونائباً للسلطنة.

ص:119

وقد تكرر وعد اُمراء المملكة العربية السعودية في السنوات السابقه لممثّلي مملكة إيران وسائر البلدان الإسلاميّة بأنّهم سَيُلَبُّونَ الطلبات في هذا المجال، ولكن السلطان السعودية لم تُحقّق وعداً واحداً من هذه الوعود، وكان هدفهم المماطلة في الأمر؛ ولهذا نرجو من أيّ مسؤول أن يدرس الأمر بعمق فيخبرنا فيما لو كانت وعود اُمراء المملكة العربية السعودية حقيقة، وأنّهم سيفون بما وعدوا به، أم إن هذه الوعود مجرّد وسيلة لمماطلة القضيّة كالوعود السابقة.

التوقيع: وزير الخارجية

الحاشية:

تمّت الموافقة علي إنجاز هذا التحقيق وذلك في جلسة الهيئة [لجنة الحجّ الدائمية] التي عقدت بصورة استثنائية من قبل الأعضاء السابقين ومع حضور آية الله نوري في منزل [...].

تاريخ الوثيقة: 21/7/1341

من: سفارة إيران فى جدّة

إلي: وزارة الخارجية

الموضوع: ضريح قبور أئمّة البقيع

الرقم: 1039

وزارة الخارجية، الدائرة السياسيّة الاُولي

عطفاً علي الرسالة رقم 1/3843/22689 المؤرّخة 19/12/1340 ونصّ رسالة حسين أمين ملحقها حول الض_ريح الذي نصبه والده محمّد علي= (الحاج أمين السلطنة) فيما سبق لقبور أئمّة البقيع في المدينة المنوّرة ثمّ رفعته سلطات الحكومة السعودية، فنحيطكم علماً:

استفسرت السفارة العظمي حول الموضوع بصورة كتبيّة من السيّد

ص:120

مصطفي عطّار مرشد الحجّاج الإيرانييّن، ومتولّي رفاه الحجّاج الإيرانييّن في المدينة المنوّرة، حيث بيّن حسين أمين في رسالته المؤرّخة 12 شهريور 1341 بأنّ الضريح عنده كما هو عليه بلا نقص ولا عيب. وتمّ التأكيد عدّة مرّات علي الإسراع في إخبار السفارة العظمي في هذا المجال.

وقد وصل الجواب من هذا الشخص وقد أرفقنا صورة رسالته وترجمتها لمزيد إلمامكم بالأمر، وكما تلاحظون فإنّ السيّد مصطفي العطّار أبدي عدم اطّلاعه كاملاً حول هذا الموضوع.

السفير الكبير _ ضياء الدين قريب

تاريخ الوثيقة: 27/11/49

من: الدائرة السياسة الاُولي

إلي: المسؤولين في وزارة الخارجية

الموضوع: محادثات مع خبير ومستشار السفارة السعودية في إيران حول إعمار قبور البقيع

الرقم: ________

التقرير

تنفيداً لأمركم في خصوص المحادثات مع مسؤولي السفارة السعودية حول طلب مجموعة من رجال الدين الباكستانيين لترميم قبور الأئمّة الأطهار في جنّة البقيع (موضوع الرسالة رقم 10651، المؤرّخة 22/11/49 رئيس مجلس الشيوخ إلى وزير الخارجية) نحيطكم علماً بما يلي:

نظراً لغياب سفير المملكة العربية السعودية عبدالعزيز العقيل استدعينا مستشار هذه السفارة لوزارة الخارجية، والتقيت به اليوم في الساعة 30/11 صباحاً. وأخبرته في هذا اللقاء بآراء علماء الشيعة ورجال الدين في إيران

ص:121

وباكستان في خصوص لزوم ترميم روضة البقيع المطهّرة، وبيّنت له بأنّ صدور إجازة إعمار البقاع المتبرّكة وقبور الأئمّة الأطهار: في البقيع أمر يطالب به العالم الشيعي بأكمله، والحالة التي عليها البقيع الآن قد أدمت قلوب الملايين من الشيعة.

قال العقيل:

مقبرة البقيع ذات جدار وباب وحارس وعامل نظافة، ولا يوجد علي القبور بناء وبقعة وضريح وقبّة كما يطالب الشيعة بذلك، وإنّما القبور كما هي عليها الآن وفق مذهب الفرقة الوهّابيّة.

ثمّ أضاف: وضع العلامة والاسم والرمز علي القبور حرام، ويجب أن تكون القبور مسطّحة مع الأرض، ولهذا نجد الآن حتّي قبر جلالة الملك الفقيد عبدالعزيز بن سعود مؤسّس المملكة العربية السعودية أيضاً غير معلوم، وبالتأكيد فالمقبرة التي دفن فيها معلومة، ولكن قبره غير معلوم؛ لأنّه بلا اسم وبلا علامة، وهكذا الأمر بالنسبة إلي سائر أتباع المذهب الوهّابي.

ومن هذا المنطلق لا أظنّ وجود إمكان تحقّق مبتغي رجال الدين الشيعة، لأنّ اتّخاذ أيّ إجراء في هذا المجال يتبعه ردود فعل شديدة من علماء الوهّابيّة.

و أضاف مستشار السفارة السعودية:

هذه ليست أوّل مرّة يطلب فيها رجال الدين الشيعة هذا الأمر، ولكن لا يمكن تلبية هذا الطلب من طرفنا قطّ، ومع هذا فإذا أحببتم تقديم هذا الطلب من قبل وزارة الخارجية إلي السفارة بصورة كتبية، فأنا مستعدّ لبعث طلبكم إلي الجهات الحكومية التي يخصّها الأمر، ولكننّي علي يقين بأنّهم لن يوافقوا على هذا الطلب.

قلت له:

ص:122

علماء الشيعة يتحدّثون حول خراب روضة البقيع المطهّرة ولزوم إعمارها وترميمها، وليس الحديث حول مسألة البناء علي القبور أو تشييد قبّة عليها.

أجاب العقيل: «مقبرة البقيع ليست خربة أبداً، وكما قلت لها جدار وباب وحارس وعامل نظافة، والشيعة تحت غطاء الإصلاح والترميم يبتغون التص_رّف في وضع القبور، وهذا أمر يتغاير مع معتقدات الوهّابيّة، ولكن كما قلت بإمكانكم كتابة طلبكم، ونحن بدورنا ننقل هذا الطلب إلي الجهات العليا، وبالتأكيد فإنّ صدور مذكرة في هذا المجال يرتبط برأي المسؤولين في الوزارة التي نحن فيها.

ولكن يفهم من كلام مستشار السفارة مع لحاظ سوابق هذا الأمر بأنّ هذا الطلب لا جدوي فيه ولن يترك أيّ نتيجة إيجابيّة.

سوابق الأمر مرفقة بهذا التقرير.

مع الاحترام

مسؤول الدائرة السياسيّة الاُولي

قاسمي

خاتمة القول

واصل علماء الشيعة وكبار شخصيات وأتباع مذهب أهل البيت: من قديم الأيّام وإلي الآن جهودهم ومساعيهم لإعادة بناء البقيع، وقد طرحت هذه المسألة مراراً بين زعماء ايران والسعودية، ولكن مع الأسف لم تترك هذه الجهود والمساعي أثرها المطلوب لحدّ الآن، ولا يزال الوهّابيّون مص_رّين علي معتقداتهم، بل زادوا في مواقفهم المتشدّدة.

ص:123

منها: نجد أنّهم في السنتين الأخيرتين وضعوا باب معدنيّة أمام السلّم الواقع أمام مقبرة البقيع، ومنعوا النساء من الصعود إلي المكان الواقع مقابل باب البقيع، والذي فيه سياج مشبّك يمكن مشاهدة البقيع من خلاله، ووضعوا الشرطة في القسم التحتاني الواقع مقابل البقيع ليمنعوا الزوّار من الجلوس أو قراءة الزيارة.

ومن جهة اُخري وضعوا مجموعة من الجهلة جوار قبور البقيع ليهينوا الزوّار ويستهزئوا بهم بألفاظهم البعيدة عن الأدب والسلوك الحسن، وهذا ما زاد من استياء الذين يقتدون برسول الله9 ويقصدون مقبرة البقيع لزيارة قبور أبرز شخصيّات صدر الإسلام، ليقتدوا بهم في الثبات علي المبادئ الإسلاميّة.

والجدير بالذكر أنّ بعض مراجع التقليد العظام أوجبوا مسألة إعادة بناء وتشييد قبور البقيع، وأجازوا صرف سهم الإمام7 في تشييد هذه القبور بشكل سلمي.

وسُئل بعض مراجع التقليد: هل يجب بذل الجهود والمساعي لإعادة بناء قبور أئمّة البقيع؟

فكانت الإجابة كما يلي:

آية الله العظمي فاضل اللنكراني: إذا كانت المساعي بشكل سلمي فلا إشكال في ذلك، بل هو واجب على جميع المسلمين.

آية الله العظمي مكارم الشيرازي: السعي لأجل بناء قبور الأئمة: واجب كفائي.

آية الله العظمي صافي الگلبايگاني: تجديد بناء قبور الأئمة من شعائر الإسلام، وحفظها والسعي في تجديد بنائها من الواجبات.

ص:124

آية الله العظمي السيد علي السيستاني: صرف الحقوق الش_رعية مع إذن الحاكم الشرعي في بناء قبور أئمة البقيع جائز.

آية الله العظمي السيد كاظم الحائري: بلا شك أن هذا السعي من تعظيم الشعائر الإلهية، ثمّ إن كل ما هو ممكن في السعي لأجل بناء البقيع مناسب.

نأمل أن يأتي ذلك اليوم الذي تتحقّق فيه اُمنية المسلمين، وأن تشيّد البقيع بصورة جميلة وبطريقة تليق بشأن المسلمين، وأن تتلألأ قبّة الأئمّة الأطهار جوار قبّة النبي الخضراء.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.